(أخوكم/عمكم/ صاحبكم (كل شيء إلا جدّكم) على سفر طويل، لظرف طارئ جدا، ومن ثم سامحوه لأنه سيعيد هنا نشر مقالات قديمة بعد تنقيحها، إلى أن يفرجها صاحب الفرج قريبا بإذنه).
كمواطن سوداني، لم يعد يدهشني ان أقرأ اسم بلادي يوميا مقرونا بمصيبة جديدة تهدد وحدة البلاد وسلامة العباد، ولكن أسعدني كثيرا أن السودان يشهد حاليا حملة شاملة لتوعية النساء بمخاطر سرطان الثدي، ولتعذر توفير الأجهزة اللازمة لإجراء مسح وفحص طبي فعال، فقد ركزت الحملة على تعريف النساء بطرق اكتشاف ما قد ينم عن وجود خطر السرطان ولو بالتحسس اليدوي.. أتذكر مجلة طبية عربية كانت شديدة الرواج في السبعينيات تحمل اسم «طبيبك» وكان يصدرها الدكتور صبري القباني، ورغم انني لا أحبذ مثل هذا النوع من المطبوعات لأن العوام يتخذون محتوياتها مرجعا لتشخيص علل موجودة وأخرى متوهمة، بل من أشد معارضي البرامج الطبية التلفزيونية التي يقوم الجمهور خلالها بالشكوى لطبيب فيقوم الأخير بتقديم التشخيص والعلاج، إلا أنني كنت معجبا في مجلة طبيبك بباب معين يحمل اسم «اعدل عن الدواء إلى الغذاء» يعني التغذية الجيدة تغنيك عن تعاطي الأدوية الكيميائية (نقطة نظام كي لا أتهم بالتعميم فهناك صفحات في الجرائد وبرامج تلفزيونية طبية ذات رسالة توعوية إرشادية وتؤدي دورا مهما في تبصير الناس بالأمراض وطرق الوقاية منها).
وتشهد كل الدول العربية من حين إلى آخر حملات طبية من نوع أو آخر لاستئصال مرض وبائي ما أو آخر أو لتوعية الناس بأمور تنعكس على صحتهم سلبا او إيجابا، ولكنني لم اسمع ان بلدا عربيا ما نظم حملة تقول للناس صراحة ان معظم الطعام الذي نأكله غير صحي. في وقتنا الراهن يموت عشرة في المائة من المواطنين في بريطانيا بسبب تعقيدات مرض السكري (تصلني رسائل كثيرة يعاتبني فيها قراء لأنني كثير الاستشهاد بحقائق وأرقام تتعلق ببلدان غربية ويتساءلون: لماذا لا تستمد تلك الأرقام والحقائق من واقعنا؟ والإجابة بديهية: إما لأنني لا أجد مثل تلك الحقائق والإحصاءات وإما لأنني أجدها ولا أثق بها، ومؤخرا أصدرت وزارة الصحة بدولة عربية ما تقريرا يقول ان عدد المصابين بالإيدز بلغ كذا وكذا بفضل السياسات الحكيمة، فردت نقابة الأطباء بأن الرقم الصحيح للمصابين بالمرض هو ذاك الذي أوردته وزارة الصحة مضروبا في عشرين بسبب السياسات غير الحكيمة).
ما علينا: خلال السنوات العشر المقبلة من المتوقع ان يرتفع معدل الوفيات بسبب السكري في بريطانيا الى 16% من إجمالي الوفيات، ما لم تتغير عادات وممارسات التغذية!! فالسمنة من الأسباب الرئيسية للنوع الثاني من مرض السكري والبريطانيون عموما يعتبرون في منتهى الرشاقة مقارنة بالشعوب العربية.. وإلى يومنا هذا فإن السمنة لدى العوام في بلداننا دليل صحة وشبع، والكارثة الكبرى هي ان معدلات السمنة في جيل الصغار صارت مرتفعة جدا بينما كان الإنسان العربي لا يترهل في ما مضى إلا بعد سن الأربعين.. نريد حملات واسعة تقول لنا ان معظم أكلاتنا الشعبية اليومية من أسلحة الدمار الصحي الشامل وما لم نمتنع عنها نحن الكبار فلن نملك الحجة لنهي عيالنا عن تعاطي الوجبات السريعة المشبعة بالدهون والملح!! بذمتك هل تملك الجرأة لمنع ولدك من أكل البيرغر بينما تكون أنت تلوك في ذيل خروف والدهن يتساقط على صدرك وكأنك مصاب بثقب في شفتك السفلى؟
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]