بالرغم من المصالح المشتركة الهائلة والتكامل الإستراتيجى الواضح إلا أن سياستنا تجاه السودان ما زالت تراوح مكانها عند مستوى منخفض من الحرارة. وفى أحيان كثيرة أفسدت السياسة ما تفرضه وقائع الثقافة والاقتصاد. ولقد آن الأوان أن تعود علاقتنا مع السودان الى الصدارة. وقد أدى غياب مصر عن السودان لفترة طويلة الى الكثير من الخسائر للجانبين. فمما لاشك فيه أن قضية انفصال الجنوب ، والحروب الصغيرة على الحدود بين دولة جنوب السودان الوليدة وجمهورية السودان، كان ممكن تلافيها إذا تدخلت مصر لحل النزاعات القائمة والتوصل الى تعايش أفضل بينهما.
أدت الخصومة شبه المعلنة بين نظام الرئيس المخلوع حسنى مبارك والحكومة السودانية أن وقفت مصر موقف المتفرج بينما تفاقمت القوى الانفصالية فى دارفور والشرق، بينما أن المنطق يقول إن سلامة السودان المتحد هى من سلامة مصر. وفى غياب الاهتمام الإستراتيجى بالسودان تغيبت مصر كثيرا عن الاستثمار فى هذا البلد الشقيق.وأدى هذا البرود فى العلاقات الى تنافر غير مقبول فى بعض القضايا الرئيسية التى تهم البلدين ومنها قضية نهر النيل. واليوم نسمع تصريحات متباينة من الجانبين، فبينما يؤكد وزير الرى المصرى أن سد النهضة يمثل تهديدا قائما لمصر، أعلنت السودان قبولها بالسد، بل قالت إنه ممكن أن يساعدها فى مقاومة الفيضانات العالية التى أصابت الخرطوم وضواحيها بضرر بالغ فى الأعوام الماضية. ماذا عن المستقبل؟
يجب النظر الى السودان نظرة استراتيجية طويلة الأجل، ويجب أن يخرج ملف العلاقات من المنظور الأمنى الضيق. ذلك المنظور الذى جعل ملف السودان لسنوات طويلة فى يد المخابرات وليس الخارجية المصرية. وأدى فى الغالب الى غياب مصر عن معظم القضايا المصيرية والتنموية التى تهم السودان.
حتى نبدأ بداية جديدة لابد من التخلص من بعض الخرافات التقليدية التى أساءت الى العلاقة فى الماضي. أولها الاعتقاد أن المصرى أكثر قدرة ودينامية من نظيره السوداني. وفى الواقع أن السودان أظهر قدرة تنظيمية عالية وحل الكثير من المشاكل التى استعصت على مصر، ومنها قدرته على التغلب على المقاطعة الاقتصادية الغربية, ونجح أيضا فى تصدير العمالة للخارج ونجح فى الحصول لهم على دخول عالية ساعدت السودان على النهضة. واقترح أخذ مبادرات جديدة تخدم مصالح البلدين فى ثلاثة مجالات حيوية تكفى فى البداية لدعم العلاقات المصرية السودانية. أولها فى مجال الزراعة الحديثة. حيث تمتلك مصر الخبرة الفنية لإدارة المزارع الحديثة، مع ذلك فهى لاتمتلك رأس المال لهذه العمليات.
المجال الثانى هو مجال الخدمات التقنية فى مجال البنوك وشركات المحاسبة والتأمين والسياحة.
أما المجال الثالث فهو مجال النقل والمواصلات. وهى مجالات حيوية فى هذا البلد الشاسع. وبالرغم مما سمعناه من تصريحات المسئولين حول فتح الطرق البرية، إلا أن ما تم على ارض الواقع قليل. وتقدم بحيرة ناصر وسيلة مثلى للنقل والتواصل بين الشعبين.
كذلك يجب إنجاز وصلة السكك الحديدية بين أسوان والسودان، ذلك أن النقل بالسكك الحديدية من أرخص سبل النقل وبالذات للداخل السودانى والعاصمة. هكذا نرى أن العلاقات المصرية السودانية تحتاج الى نظرة وإدارة جديدة. وكلى أمل أن يتحقق حلم ألأجيال فى جعل مصر والسودان نموذجا للتعاون والعيش المشترك الذى بدعمه الثقافة الواحدة والمزاج الواحد والمصالح المشتركة.
د. على عبدالعزيز سليمان
الاهرام اليومي