فمن جانب أول فإن قادة الحركة الشعبية الجنوبية الذين كانوا فى معتقلات الحكومة الجنوبية إبان الصراع الدامي الذي دار رحاه هناك وتم إطلاق سراحهم بناء على المفاوضات الجارية بين وفد الحكومة الجنوبية ووفد المتمردين فى أديس أبابا فاجأ المتمردين بقيادة د. رياك مشار بأنهم ليسوا جزء منهم وأنهم يعتبرون أنفسهم (طرفاً ثالثاً) ومن ثم لا مجال لإقحامهم بالمفاوضات الجارية.
وبالطبع كانت المفاجأة هنا بالنسبة للمتمردين كاملة ومربكة، ولكن بالمقابل فإن هذا الموقف كانت فيه إشارة الى أن الذين تم الإفراج عنهم وفى مقدمتهم دينق ألور لهم حسابات مختلفة وليس من المستعبد أن الحكومة الجنوبية هي نفسها ما أطلقت سراحهم إلا بحسابات خاصة بها!
من جانب ثاني فإن من المستغرب طبعاً أن يتم الإفراج عن معتقلين سياسيين ثم يتبيّن أنهم ليسوا طرفاً فى النزاع رغم كل الجهد الذي بذله المتمردون للإفراج عنهم للدرجة التى تم وضع الإفراج عنهم فى كفة واستمرار أو عدم استمرار التفاوض فى كفة مقابلة أخرى! وهذا فى الواقع يشير الى أن المفرج عنهم مطلوب منهم اللعب فى ملعب آخر؛ وطالما أن فى مقدمتهم دينق ألور والرجل ينتمي الى منطقة أبيي المتنازع عليها فإن الأمر يصبح أحد فرضين:
إما أن عملية الإفراج عنهم قد تمت فى سياق تقسيم أدوار من قبل الحكومة الجنوبية بحيث يتكفل هؤلاء المفرج عنهم بإثارة ملف أبيي باعتبار أنهم أبناء أبيي وتفصلهم مسافة سياسية واضحة عن الحكومة الجنوبية بدليل أنهم كانوا معتقلين لديها، وهذا يتيح لهم اللعب بحرية كافية، وفى الوقت نفسه يجعل الحكومة الجنوبية فى مأمن من اللوم من قبل الخرطوم، أو أي جهة إقليمية أخرى بتصعيد الوضع فى المنطقة.
والفرض الثاني أن المفرج عنهم تم الإفراج عنهم بشرط عدم الانضمام الى المتمردين، ولكنهم بطريقة أو أخرى يسعون الآن الى إثارة قضيتهم المتمثلة فى نزاع أبيي لإحراج حكومتهم من جهة والحصول على تأييد دينكا نقوك فى مواجهة الرئيس كير من جهة أخرى.
وسواء صحّ هذا الفرض أو ذاك فإن من المؤكد أن هناك (لعبة خطيرة) ما تجري حالياً لفرض الأمر الواقع فى منطقة أبيي بالاستفادة من مناخ المواجهات الدائرة حالياً فى دولة الجنوب، خاصة وأن الحكومة الجنوبية التى تذوقت النصر بدعم القوات اليوغندية لم تعد عملياً تخشى من أن تدخل فى حرب جديدة!
ولأن الليالي كما يقولون حبالى يلدن كل جديد فإن أحداً ليس بوسعه أن يستبعد السيناريو الخطيرة المقبل!
سودان سفاري
ع.ش