(1-2)
الجميع، واكتملت اركان عناصر الهناء فيه بميلاد ابنة جميلة ساهمت في اضافة ألق خاص لهذه الزيجة للاعين الراصدة .. ربما لذلك قالت والدة (هند) عن ما اصاب هذه الاسرة الصغيرة السعيدة (عين حاسدة وراصدة حسدت بتي وعكّرت صفاها)، بينما كانت وجهة نظر أم (مرتضى) غير بعيدة عن ذلك الفهم فقد قالت بأن عين لم تصلي على النبي تلك التي (صابت جناها وكمّلت هناها) ..
قبل أن يكمل زواجهم عامه الثالث، كان مرتضى يقود سيارته في طريق عودته من مأمورية سفرية، عندما اصابته (نعسة) اجبرته على اغماض عينيه قليلا ليريحهما فسرقها النوم لحظة كانت كافية ليستيقظ بعدها في احد المستوصفات وقد غطت جسده الضمادات ..
كان الخبر صاعقا على (هند) كما كان على أمه وامها وبقية الاسرة، فقد كانت اصابة (مرتضى) في العمود الفقري بالغة مما ادى لاصابته بالشلل التام ..
بعد جولات ماكوكية بين الاطباء داخل وخارج السودان، وصل الجميع لقناعة الاستسلام لليأس، وذلك لان الاطباء اقنعوهم بأنه لا أمل في شفاء (مرتضى) من اصابته ، ومن الافضل له ولهم التعامل مع الامر الواقع وتقبل انه سيظل لبقية حياته اسيرا داخل جسد ميت لا يتحرك منه غير الاعين واللسان ..
عادت (هند) بـ عريسها الى البيت وهي تدفع كرسيه المدولب أمامها بيد وتحمل ابنتها بالاخرى، دون أن يسعفها الخيال بتصور لشكل الحياة وما تخفيه لهم الايام في المستقبل .. في البدء كان الجميع حولها يمدون يد المساعدة في رعاية (مرتضى) وابنتها الرضيعة، ولكن مع مرور الايام تشاغل الناس وانشغل كل منهم بحياته الخاصة وتركوها تواجه مسئوليتها وحيدة ..
استعانت (هند) بمساعدة لتنوب عنها نهارا في رعاية زوجها القعيد والصغيرة حينما اضطرت للعودة لعملها، وذلك لانتهاء كل الاجازات والاعذار والاذونات التي تغيبت بها عن العمل، فلم يكن امامها سوى العودة لمزاولة عملها الضمانة الوحيدة امام المستقبل المظلم، أو الاستقالة منه ومواجهة المصروفات اعتمادا على معونات الاسرة الكبيرة، بعد ان قضت سفريات العلاج في الخارج على كل مدخراتهم وحتى التعويض والمكافأة التي حصل عليهم (مرتضى) من العمل ..
استقرت الامور على هذا الوضع، واستقرت نفسيات (هند) على تقبلها لما حدث كابتلاء من عند الله لا تملك امامه سوى الصبر والرضاء بقاء الله، فكانت تقضي نهارها في العمل وعندما تعود للبيت تستلم الوردية عن المساعدة لتسهر على راحة وحيديها ..
مر عام وأكثر على الحادث كان لسان (مرتضى) طوال تلك الاشهر يلهج بالثناء على زوجته التي هجرت شبابها من اجل رعايته، وكان لا يترك فرصة تمر دون أن يعبر لها عن امتنانه وشعوره بالاسف على تعبها ومعاناتها، ولكن كانت (هند) تمنعه من ترديد ذلك الكلام الخايب من وجهة نظرها، لانه زوجها وحبيبها وابن عمها اولا واخيرا، ولو كان ذلك الحادث قد حدث لها هي – لما توانى هو – لحظة عن ان يفعل من اجلها مثلما تفعله من أجل خاطر عينيه واكثر !!
يقال ان دوام الحال من المحال، فقد تحولت الامور قليلا قليلا وبعد أن كان (مرتضى) يودع زوجته بنظرة حانية في الصباح، ويقضي نهاره متشوقا في انتظار عودة (هند) من العمل، ليسألها عن يومها وما صادفته فيه وعن ما يفعله الناس في الخارج واخبار البلد ، صار يترصد حركتها قبل الخروج صباحا .. ما ترتديه من ثياب .. كمية العطر الذي وضعته على ثوبها .. شعورها بالبهجة وابتساماتها الصباحية التي من دون داعي، وبعد عودتها تجده في انتظارها متجهم الوجه عابسا يحرك عينيه بين النظر للساعة الحائطية ووجها في اتهام .. ان حضرت قبل مواعيدها بدقائق تعجب من تبكيرها وأستجوبها عن مع من عادت للبيت والطريق الذي اتخذه سائق الترحيل ليعود بها قبل المواعيد بعدة دقائق .. وعندما تتأخر مثلهن تنتظرها عاصفة من اللوم والتقريع .. مشيتي وين ؟ اتأخرتي ليه ؟ جيتي بي شنو .. السمعتو دا ما صوت عربية الترحيل حقتكم ؟!!
منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]