ورغم ان راعي مثل هذا مغمور وفي منطقة خلوية يمارس فيها نشاطه ما كان له أن يتصدر الأخبار والقنوات الفضائية وتتناول سيرته كل الألسن باختلاف لهجاتها لولا هذا المسلك القويم الذي اتبعه والذي يعد عند هؤلاء وغيرهم بأنه حدث خارق وضرب من ضروب الخيال، في أن تتوفر في عصرنا هذا مثل صفة الأمانة التي تحلى بها هذا الاعرابي السوداني، إلا أنها في عرف مجتمعنا السوداني وإرثنا وتراثنا تعتبر أمر عادي. ويكفي أن هذا الاعرابي الذي عرف عن طريق الصدفة بأن صار مصدر اهتمام وحديث أهل البسيطة وطفقت سيرته الآفاق لامانته الفائقة التي صنعت منه بطلاً عالمياً من حيث لا يدري، ويكفي انه رفض حتى أن يتم تكريمه وتحفيزه بوحي أن ما قام به هو أمر عادي وليس خارقاً، ولا يستحق أن يجازى على سلوك هو يفترض ان يتوفر في كل مسلم.
إننا كسودانيين يحق لنا أن نفتخر ونتباهى بتلك الحادثة التي صعدت بهذا الإعرابي لهذه المرتبة والتفاخر ليس لأن هذا الراعي أتى بهذا الفعل فقط، ولكن الفخر في أن هذا الراعي يمثل نموذجاً للانسان السوداني المخلص الأمين والذي هو اصلاً بتلك البلاد أو غيرها هو موضع تقدير واحترام لعامل الأخلاق والقيم التي يحملها ويتعامل بها مع الآخرين.
مصدر فرحتنا أن مثل هذا الراعي يلقي حجراً في بحر سمعتنا التي نتباهى بها ليحركها ويجدد تشكيلها، وأحسب أن مثل ذاك السلوك سيكون له انعكاسات اخرى تضاف إلى سيرة السودانيين الزاهية، وترسخ من تلك النظرة التي ينظر لنا بها الغير، وتعضد علو كعب السودانيين عن غيرهم من شعوب في انهم رغم جور الزمان والظروف إلا أنهم يتكئون على قيم وفضائل قل أن تتوفر عند غيرهم في هذا الزمان الصعب، الذي تكاد أنفاس الناس تتقطع من هول ركضهم للحاق به، وفي زمان اندثرت فيه كل القيم وباتت من قصص الخيال، إلا أن أمثال هذا الراعي السوداني طرق على ناقوس الوعي بأن الدنيا ما زالت بخير.. وانه ما زال للمروءة بصيص أمل في أن هناك من اهلها من هم ما زالوا يقبضون على جمر تلك الفضائل.
إننا بحق نقف اجلالاً لهذا الاعرابي الذي انتصر لنفسه اولاً ضد العدو الأكبر الشيطان، وانتصر لنا كسودانيين نتباهى بتلك القيم التي تتغلغل فينا، ويكفي ما سطره شاعرنا الراحل ود حد الزين وهو يتفاخر بهذا الانتماء
لو ما جيت من زي ديل
كان آسفاي وآ مأساتي وآ ذلي
وقبل هذا كله فإن هذا الراعي قد أظهر تعاليم الإسلام الخالدة وشريعته السمحاء، وأعاد لنا سيرة الصحابة الكرام، وتلك المرأة التي تطلب من ابنتها في أن تضيف الماء للبن فأمير المؤمنين لا يراهم، فكان رد البنت بإيمان راسخ لو أن عمر لا يرانا، فإن رب عمر يرانا. ومثلما كرمها عمر بن الخطاب بأن طلب من ابنه أن يتزوجها فإننا نطالب بإن يكرم هذا الراعي حتى يكون نموذجاً يحتذى، ونعلي على رؤوس الأشهاد تلك القيم الحية التي يحض عليها الإسلام، والتي تتغلغل في نفوس أبناء هذه الأمة الكريمة التي ما فتأت تجسدها واقعاً معاشاً.
صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]