– المفاوضات فشلت لثلاثة أسباب، أولا أجندة الحركة الشعبية في الجانبين غير واضحة في التفاوض، والسبب الثاني عدم وقف إطلاق النار، والسبب الثالث دخول أطراف الوساطة في الحرب الدائرة في الجنوب، فحكومة جنوب السودان طلبت من أربعة دول دعمها عسكرياً وهي يوغندا وكينيا و أثيوبيا والسودان، وهنالك دول استجابت و دول لم تستجب.
مقاطعة… هل تشير إلى أن الإيقاد أصبحت جزءاً من الأزمة؟
– وساطة الإيقاد هي جزء من الأزمة الدائرة، فعلى سبيل المثال يوغندا لديها 3000 جندي تحارب في صفوف الحكومة، وفي نفس الوقت هم جزء من الوساطة، و الإيقاد هو جسم إقليمي انتهى ومات منذ أن وقع اتفاقية السلام الشامل، وليس له دور بأن يوقف الحرب في الجنوب أو أن يعطي عقوبات لأي جهة رافضة، ولا يمتلك قوة ليقدمها لأنه تم تكوينه كمنظومة لمحاربة التصحر والعمل على التنمية ولكنه اختفى ولم يقم بهذا الدور واكتفى بحل مشكلة السودان الموحد التي نتج منها اتفاق السلام الشامل ومن هناك انتهى دور ما يعرف بالإيقاد.
أين الاتحاد الأفريقي ولماذا لا يتدخل لحل مشكلة جنوب السوداني فهو الجهة المسؤولة عن الدول الأفريقية فقد سكت هو و الأمم المتحدة على دخول يوغندا ولم يطالب المجتمع الدولي بخروجها من الجنوب، و ما تفسيرك للمواقف الخارجية والدولية تجاه مشكلة الجنوب؟
– كل المواقف الخارجية أكدت أن ما حدث ليس انقلاباً، إلا السودان فقد استعجل.
مقاطعة… ماذا تعني باستعجال السودان؟
– زيارة الرئيس البشير ما كان في داعي لها، فكان يجب عليه ان يكون جزءاً من الحل وليس جزءاً من القضية وأن يأخذ اتجاهاً محايداً، فإذا انزلقت الأحداث و أصبح الصراع نوير و دينكا فأين سيقع السودان، لذلك كان على السودان أن يكون قدوة للحل، فعندما حدثت الأحداث كل الجنوبيين اتجهوا للخرطوم، وكان السودان جزءاً من الحل حينها واستطاع الرئيس البشير أن يقدم شيئاً جيداً وهو بأن يعامل أي جنوبي معاملة السوداني.
لكن كثيرون يرون أن السودان ساهم و مازال يساهم في الحل؟
– يجب أن يكون السودان مثل أثيويبا وليس مثل يوغندا حتى لا يفقد الثقة التي يحملها له مواطن جنوب السودان، والبشير مثلما ذهب إلى الرئيس سلفاكير كان يجب أن يلتقي مشار أيضاً، وكان يجب أن يدعوهم الاثنين للحضور إلى الخرطوم لأنهما لا يخافان من الحضور إليها.
ألا تعتقد بأن الصراع تحول بالفعل من صراع داخل تنظيم واحد إلى صراع قبلي؟
– القبلية موجودة، ولكن حتى الآن لم تأخذ هذا الطابع، نعم أخذته في الفترة الأولى و تم قتل النوير بالآلاف في جوبا، ولكننا نجد أن المكتب القيادي الذي كان مكوناً من ( 27) عضواً (8 ) منهم في قطاع الشمال وتوفي ( 2) وما تبقى ( 19) عضواً (14) مع مشار و ( 5) مع سلفاكير، والأربعة عشر عضواً الموجودين مع مشار ليسوا نوير فريبكا قرنق من دينكا بور ودينق ألور من أبيي و دكتور سسيرا ايتا وبروفيسر بيتر أدوك وباقان أموم من قبيلة الشلك، و دكتور مجاك أقوت من دينكا بور.
من المعروف أن الحرب اندلعت بين قيادات الحركة الشعبية في المكتب السياسي، ما هي الأسباب الحقيقية التي قادتهم لإشعال هذه الحرب؟
– الصراع الحقيقي كان في شيئين فقط، بأن تصبح الدولة دكتاتورية و يفعل الرئيس ما يشاء أو أن الجنوب يصبح دولة ديمقراطية يتم انتخاب كل مؤسساتها بالنظام الديمقراطي المعروف وتكون جزءاً من المنظومة الديمقراطية في العالم، خاصة وأن الجنوب ظهر في عهد العولمة، ولكن المشكلة بدأت في شيء صغير جداً داخل المكتب السياسي المكون الـ27 ثم إلى مجلس التحرير، فقد تحدث الرئيس سلفاكير في خطابه يوم 14/ 12 إلى برنامج الحركة الشعبية وتطرق إلى قضايا ما كان يجب أن يتم التحدث عنها لأنها قضايا حدثت وتم حلها وانتهت.
ما هي هذه القضايا؟
– أثار سلفا القضايا القديمة للانشقاق سنة 1991م التي انشق فيها دكتور رياك مشار ودكتور لام أكول وأصبح يشير إلى نائبه بأنه شخص خرج من قبل من المنظومة ويريد أن يخرج الآن.
ولماذا تحول الصراع بين قيادات الحركة الشعبية مرحلة المواجهة بالسلاح؟
– الحركة الشعبية هشة وموالية لأفراد، وعندما أقال سلفاكير الحكومة في شهر يوليو نشر جيشاً، والجيش لم يكن منظماً وكان خاصاً له واسمه بلغة الدينكا «كوج بنج» وهو جيش خاص يعني نحمي الرئيس.
المشكلة الآن تجاوزت الحركة الشعبية وأصبحت مشكلة دولة؟
– المشكلة تجاوزت الحركة الشعبية لأن الانفلات الذي حدث داخل الحركة الشعبية وفي أروقة دولة الجنوب، و قتل الأبرياء في غياب تام للحكومة والمجتمع الدولي، ما جعل الجنوبيين ينظرون للرئيس سلفا بأنه خائن للشعب فقد أدخل دولة أخرى لتقتل شعبه، زد على ذلك فإن تدخل الأجانب سيمدد المشاكل، ومن الصعوبة خروجهم خاصة إذا لم يجدوا فوائدهم التي دخلوا من أجلها فإنهم لن يتوقفوا، فبالرغم من التوقيع على وقف إطلاق النار إلا أن المتدخلين هم من يخرقونه، وفي حال حدث سلام فإن موسفيني سيكتشف أنه أدخل الشعب اليوغندي في خطر، فلن يسمح لهم دخول مناطق النوير التي ضربت لأن الشعب سينظر لهم باعتبارهم أعداء.
ما هي التعقيدات التي جعلت الحرب مستمرة في دولة جنوب السودان دون تقدم ملحوظ؟
– حرب الجنوب دخلت فيها أطراف محلية وإقليمية، فحركة العدل والمساواة وقطاع الشمال الفرقة التاسعة يحاربون الآن في بانتيو وحربهم حرب استنزاف، خاصة وأنهم كل ما يدخلوا منطقة يحرقونها، فقد أحرقو مقاطعةركونة، ورئاسة الولاية بانتيو، وقوت، كوش، ولير.. أما الفرقة العاشرة مجموعة مالك عقار فقد دخلت ملكال، بينما مجموعة مناوي وعبد الواحد محمد نور دخلت بور.. أما الأطراف الدولية، فقد دخلت يوغندا بأحدث جيش وهو «إم سفن» وهو تدريب أمريكي بأحدث سلاح.. وهنالك مجموعات متمردة في الكنغو التي كان يساندها موسفيني وهي «إم تونتي ثري»، والمجموعة الثالثة رواندا وبورندا، وكل هذه المجموعات موجودة الآن في جنوب السودان بوعود و إغرات من سلفا كير في حال كسب المعركة.
وما هو شكل هذه الوعود؟
– سلفا قال لقيادات الجبهة الثورية إن إمدادكم الذي كان يأتي من يوغندا عبر واو أغلق، وطلب منهم التدخل من أجل جلب إمدادهم، وهنالك وعد لهم سيفاجأ به السودان في حال كسب سلفاكير المعركة، أما يوغندا فقد وقع سلفا معها اتفاقاً سرياً بإعطائها نسبة في عوائد نفط الجنوب وتعويض الجيش اليوغندي خاصة وأن اليوم يحسب للجندي بمئة دولار وللضابط بـ200 دولار، بالإضافة إلى إعطاء يوغندا نسبة من بترول الجنوب.
ما هو اثر تدخل يوغندا المباشر في الحرب علي مستقبل دولة جنوب السودان؟
– تدخل يوغندا في حرب الجنوب ليس له تأثير على الجنوب فقط، بل له تأثير على كل دول الجوار وهذه التأثيرات أمنية وسياسية واقتصادية، فإذا انتصرت يوغندا في حربها مع سلفا ستمد يدها في السودان، و هي الآن لديها وجود في الكنغو برازفيل و الكنغو الديمقراطية والصومال وأفريقيا الوسطى وبورندي ورواندا، وتريد أن تمدد نفوذها إلى البحر الأحمر، خاصة أن السودان بالنسبة ليوغندا هو تلك الدولة التي آوت جوزف كوني، وتريد أن ترد الضربة لذلك إذا انتصرت يوغندا في الجنوب فإنها ستقوي الجبهة الثورية وتنقلها إلى الحدود السودانية، أما سياسياً تريد يوغندا أن تمدد نفوذها للهيمنة علي الجنوب، واقتصاديا فبدخول المواد من يوغندا سيغلق الباب أمام الصادر السوداني.
حتى الآن كل المؤشرات تدل على انتصار سلفاكير وحلفائه بينما قوة مشار أصبحت في تراجع؟
– مشار حتى الآن لم يخسر، ولكن المواطنين هم من خسروا فقد، مات منهم الكثير والجيش اليوغندي أيضاً خسر بين جوبا وبور، ففي البداية أرسلوا 1500 وخسروا 700، وفي يوم 13 يناير الجيش اليوغندي كان موجوداً في منطقة مقري بقوة قوامها 3500 جندي وضربوا قوات مشار ببودرة الغاز وهي بدرة يتم رشها قبل إطلاق الرصاص وعند إطلاقة تولع النيران في المنطقة التي تم رشها بينما قوة مشار تحارب 8 جبهات و تقاتل 57 قبيلة في جنوب السودان وبالرغم من ذلك حتى الآن لم يصرحوا بأنها حرب قبلية، بالإضافة إلى أن الانشقاقات داخل الجيش الشعبي كثيرة، فالنوير يشغلون 60%من الجيش الشعبي و40% القبائل الجنوبية الأخرى.
في اعتقادك هل سيقوّض فصل مشار من الحركة الشعبية عملية السلام في الجنوب؟
– الحركة الشعبية لم تبقِ في يد سلفاكير، في وثيقة الاتفاق مكتوب «الاتفاق بين حكومة جنوب السودان والحركة الشعبية في المعارضة»، وهذا دليل على أن سلفا ليس رئيس الحركة الشعبية وأن الحركة أصبحت في المعارضة التي يقودها مشار، خاصة وأن كلاً من كان يدعي بأنه معارض وقع اتفاق مع الحكومة..
مقاطعة.. مثل من؟
– منهم مجموعة جورج أطور، وياو ياو وجونسون اولونج، ويوانس ايوك، وبابن ونج تول، وهي المجموعات المسلحة، أما السياسية بقيادة لام أكول أيضا دخلت.
لكن مجموعة ياو ياو لم توقع اتفاقاً بعد؟
– ياو ياو اتفقت مع الحكومة على وقف إطلاق النار أما الإطار السياسي لم يكتمل فيه النقاش.
صحيفة آخر لحظة
هبة محمود
ع.ش