**
بريطانيا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي تعرف كل شيء عن السودان، عكس أمريكا التي تتصرف بجهالة وتتخذ قرارات «غبية» مثل فصل جنوب السودان وإقامة دولة فيه، فكانت النتيجة دولة تتسول لطعامه وحروب مشتعلة بين قبائله التي لا ينتظر لها التوقف في وقت قريب لإنهاء حرب القبائل، بعكس بريطانيا التي أقامت هذا الكيان بحدوده الشاسعة كانت لها قراءة سليمة وكانت تعلم أن السكان هنا يربطهم رابط معين ولا يقتصر على الرابط الجغرافي.
هناك التاريخ المشترك والعادات والتقاليد، فكل القبائل تعيش في السودان كانت لها عادات مشتركة وتعيش تكاملاً معيشياً، ولم يشهد ذلك الوقت أي احتكاكات بسبب عرق أو دين وهي ذات الأسباب التي جددت الرغبة للجنوبيين للعودة إلى حدود السودان مرة أخرى رغم أنف الأمريكان.
ويؤكد المراقبون أن خبرة بريطانيا في السودان هي التي جعلته يصر على جميع أجزائه معاً وهذا ما لا تعيه أمريكا التي نظرت للأمور نظرة سطحية فقررت فصل الجزئين دون دراسة لما سيترتب على هذا الفصل، ويشير المراقبون إلى إصرار القوى السياسية على تدخل بريطانيا وحدها دون أي شريك ثالث، لأن تدخل طرف ثالث سيشوش على الحل.
وبالعودة إلى تاريخ بريطانيا في السودان وإن كان يطلق عليه «استعمار»، إلا أنه لا يمكن نسيان الدور البريطاني بأنها هي التي وضعت النظام الإداري في السودان وكان مفتشوها يوجدون في أجزاء السودان ويتحدثون اللغة العربية باللهجة السودانية وبلهجة كل قبائله، أضف إلى ذلك أن أهم نقطة هي أن بريطانيا تدرك تماماً ارتباط السودانيين بالدين ولها دور في وضع المناهج الدراسية وشيدت معظم المدارس الثانوية.
بريطانيا شغلت أذهان النخبة والمثقفين وذلك بجهل مهمة الإقناع سهلة وعلى استعداد لقبول أي حل منها، ويؤكد المراقبون أن على بريطانيا أن تقود الحوار دون تدخل بعض الدول الأفريقية والأمريكان الذين لا يعرفون أن السودان كما تعرف بريطانيا الدولة السودانية التي صنعتها.
على الجانب الآخر هناك من يرفض أي تدخل خارجي في الحل السياسي للسودان ويرى أن الحل السوداني هو الأفضل، لأن أي قوى دولية ستراعي مصالحها على حد قول المحلل السياسي د. عمر عبد العزيز الذي أشار إلى استحالة اتفاق الجميع يسار ويمين، وقال عبد العزيز إن القوة اليمينية إذا اتحدت فذلك سيحقق ويعزز فرص السلام، وأضاف أن أي تدخل أمريكي أو من الاتحاد الأوربي يخلق أوزاناً سياسية لعرمان ورفاقه من عملاء الخارج، مشيراً إلى أن أي حل ستأتي به دول المشروع الصهيوني هو مصلحة آنية مؤقتة لن تحل أبداً.
فريق آخر يؤكد أن بريطانيا تهدف من وراء إطلاق هذه المبادرات للكسب السياسي والاستفادة من هذه القضايا العالمية لعكس وجهة نظر إيجابية، وقلل د. جمال رستم من تأثير بريطانيا على أي من أطراف الصراع السوداني، وأرجع رستم ذلك إلى أن بريطانيا لا تقدم الدعم المالي أو السلاح بالنسبة للمتمردين، وكذلك لم تدعم موقف السودان في المنابر الدولية منذ 1990، وقال رستم إن التعاون بين السودان وبريطانيا يمكن وصفه بالضعيف، وإنها أهملت السودان أحد أهم مستعمراتها في أفريقيا، ويشير رستم إلى أن بريطانيا تحاول بذلك إيجاد موضع قدم في السياسة الأفريقية، ولذلك تسعى لتغيير موقفها ومحاولة احتضان السودان في ظل تنافس الدول العظمى على حد قول رستم الذي أضاف أن بريطانيا بالطبع تنسق مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي.
صحيفة آخر لحظة
فاطمة احمدون