الدولة التي تعتقل البشير.. لم توجد بعد
انهم يريدون سودانا مفككا
أي قرار من المحكمة الجنائية لن يساوي الحبر الذي كتب به
واشنطن تطمع ان تكون صاحبة اليد العليا في السودان لذا تريد إعادة هيكلته
اتهمت الحكومة السودانية الولايات المتحدة بالسعي إلى تغيير النظام في الخرطوم من خلال تمسكها بالمحكمة الجنائية الدولية بلاهاي رغم أنها ليست عضوا في نظام روما الذي أسس للمحكمة. وأعرب السفير عبد المحمود عبد الحليم سفير السودان لدى الأمم المتحدة، عن اعتقاده بأن معارضة واشنطن تفعيل المادة 16 من نظام روما، التي تتيح لمجلس الأمن تجميد مذكرة المحكمة لمدة عام هو «بهدف تغيير النظام السياسي في السودان». وقال إن واشنطن بالإضافة إلى بريطانيا وفرنسا، تريد أن تستخدم هذه القضية من أجل الابتزاز السياسي ضد السودان.
ويعتزم قضاة محكمة لاهاي الجنائية، إعلان موقفهم من مذكرة التوقيف الأربعاء المقبل، وطالب المدعي العام للمحكمة لويس أوكامبو، في يوليو الماضي من قضاة المحكمة الموافقة على مذكرته اعتقال البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية، وجرائم أخرى ضد الإنسانية، في إقليم دارفور السوداني الذي يشهد اضطرابات منذ 6 سنوات. وسرت تسريبات تشير إلى أن القضاة وافقوا بالفعل على المذكرة، لكنهم أسقطوا تهمة الإبادة الجماعية. واتهم السفير عبدالمحمود عبدالحليم الإدارة الأميركية بممارسة ضغوط على قضاة المحكمة من أجل إعادة إدراج تهمة الإبادة الجماعية في مذكرة الاعتقال. وأفاد بأن عدم صدور قرار مذكرة الاعتقال حتى الآن «بسبب الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على القضاة لإدراج تهمة الإبادة الجماعية». وأضاف «الولايات المتحدة ترى أن ما يجري في دارفور هو إبادة جماعية وعدم إدراج هذه التهمة سيحرجهم». ووصف محكمة لاهاي بأنها محكمة عدل أميركية أو أوروبية.. أقامها الرجل الأبيض للرجل الأسود، لكنه استبعد أن تقوم أي دولة بتوقيف البشير إذا صدرت المذكرة، قائلا إن الدولة التي يمكن أن تقوم باعتقال البشير لم توجد بعد.
وهذا نص الحوار:
* ما هو المتوقع أن يحدث في حالة صدور مذكرة من لاهاي ضد الرئيس البشير؟ – هناك من يتحدث في الأمم المتحدة عن المخاطر التي قد تلحق بنحو 16 ألفا من قوات حفظ السلام في السودان، ويطالب بضرورة حمايتهم، ونحن نقول: ينبغي ألا يكون الحديث مقتصرا فقط على سلامة 16 ألفا من تلك القوات، ويتم تجاهل سلامة واستقرار 40 مليون سوداني. نحن ندرك التزاماتنا تجاه تلك القوات ولكن من شأن كافة السيناريوهات أن تنصب في ضمان سلامة القوات وضمان سلامة الشعب السوداني. أما إذا انصب الحديث فقط على قوات حفظ السلام وسلامتها، فإن ذلك سيعد استخفافا وقصر نظر ينطوي أيضا على تجزئة غير مبررة للمسائل. يجب أن تكون المعالجة تشمل قوات حفظ السلام و40 مليون سوداني.. وبسلامة الإقليم وسلام القارة الأفريقية أجمعها. ويجب أن يحرصوا على تهيئة الأجواء وتهيئة السيناريوهات المناسبة داخل الأمم المتحدة لكي نضمن سلامة الجميع.
* هل تتوقعون نشوب مظاهرات غضب تستهدف الأمم المتحدة ومكاتبها سواء في الخرطوم أو في مناطق أخرى؟
– الإجابة عن هذا السؤال ترتبط بالإجابة عن السؤال السابق.. نرى أن قيام الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات أمنية محددة لتأمين سلامة موظفيها فقط تصرف قاصر. على الأمم المتحدة أن تهتم بسلامة الجميع.. وعلى مجلس الأمن أن يقوم بدراسة السبل المفضية لوقف هذا الإجراء، وهو موضوع المحكمة الجنائية الدولية سواء إن كانت تلك المخاوف وهما أم حقيقة. واعتقد أن الذعر الحالي هو سبب كاف لتتوخى الأمم المتحدة الحكمة وأن تقوم بواجباتها السياسية لإيقاف إجراءات المحكمة. ونتساءل عن دور الأمم المتحدة في حالة وجود إنذارات مبكرة حول احتمال استهداف موظفيها والعاملين فيها. ولا يكفي أن تتحدث فقط عن التزامات وواجبات حكومة السودان.. فحكومة الخرطوم أدرى بواجباتها وبالتزاماتها الدولية.
* وماذا عن مصير القوات المختلطة في دارفور بعد إصدار مذكرة الاعتقال بحق الرئيس البشير؟
– إن الجهات المعنية في السودان تقوم بتقييم كافة الخيارات ودراسة المسألة من جميع جوانبها وستبقى كل الخيارات مفتوحة وسنرى ما يمكن القيام به.
* هل سيؤثر صدور المذكرة على تعاملكم مع الأمم المتحدة؟
– كما قلت إن هناك وجهين لرقصة التانغو وعلى الأمم المتحدة أن تبدي لنا حرصها على عملية السلام في السودان.
* ما هو المطلوب من الأمم المتحدة؟
– المطلوب أولا وقف الرسائل السالبة التي يوجهها الأمين العام بان كي مون.. فهو حتى الآن لم يقم بواجبه كما ينبغي. فهو يوجه رسائل مزدوجة تتحدث عن استقلالية المحكمة الجنائية، وفي الوقت ذاته يطلب من السودان التعاون مع المحكمة. وقلنا في أكثر من مرة إنه إذا كانت المحكمة مستقلة فينبغي ألا يتحدث باسمها، وعليه أن ينبه مجلس الأمن بصورة واضحة عن أية مخاطر محتملة حقيقية أو خيالية حتى يقوم المجلس بواجبه. وهذه القضايا أثيرت في تقرير مبعوث الأمين العام الخاص في السودان السفير أشرف قاضي الذي حذر من مخاطر جدية على اتفاق السلام الشامل في جنوب السودان من جراء تحرك المحكمة الجنائية. وقد طلبنا من الأمين العام أكثر من مرة أن يقدم تقريرا منفصلا إلى مجلس الأمن حول المخاطر المحتملة الحقيقية أو المتوقعة من تحرك المدعي العام للمحكمة الجنائية من أجل أن يتيح للأمم المتحدة ولمجلس الأمن النقاش الذي من الممكن أن يقود إلى إجراء ما.
وعلى الجانب الآخر فإن مجلس الأمن يريد من السودان حماية قوات السلام، وتنفيذ اتفاق السلام الشامل، وتحقيق السلام في دارفور.. فهو يريد كل شيء.. في المقابل نتساءل ما الذي فعله المجلس لتعزيز القدرة السودانية للقيام بكافة هذه الأعباء؟
* هناك تحذيرات وجهتها الجامعة العربية ومصر للأمم المتحدة وأمينها العام، كيف ترون عدم استجابته لتلك التحذيرات؟
– يبدو لنا أن الأمين العام خاضع لنفوذ بعض القوى الفعالة في مجلس الأمن، وأنه لا يستطيع الفكاك من أسرها. وما يخص مجلس الأمن وخصوصا الولايات المتحدة فنحن على علم أن دوائر عديدة في واشنطن والقريبة من صنع القرار تريد تغيير النظام في السودان. وتعتقد هذه الدوائر أن التحرك الذي تقوم به المحكمة الجنائية مناسبة مهمة لإحكام الضغط على حكومة السودان لذلك نراهم يتحدثون وبصورة علنية وحتى في الكونغرس عن إمكانية استخدام المادة 16 من نظام روما، بعد صدور مذكرة الاعتقال من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من التنازلات لابتزاز النظام ومن أجل الحصول على مكاسب عن طريق تعرية النظام وإضعافه. فهم يريدون التأجيل ولكن بثمن باهظ. وتتحدث الولايات المتحدة بشكل خجول عن اتفاقية الدوحة لأنها تريد أن تكون صاحبة اليد العليا على اتفاقية السلام مثلما كان الحال في اتفاقية نيفاشا (الجنوب).
وتريد واشنطن أن تكون صاحبة اليد العليا في السودان، لذا تريد إعادة هيكلته. وتبدو بريطانيا غامضة في موقفها وغموضها مثل غموض وعد بلفور، فهي توجه رسائل سالبة وأن ما يهمها هو إضعاف شعبية وسلطة الرئيس عمر البشير، وهي مثل الولايات المتحدة ترى أن الرئيس البشير له نفوذ في أفريقيا وأنه يتمتع بشعبية كبيرة. وهم يريدون سودانا مفككا.. يتكون من كانتونات مثل جنوب أفريقيا، ولا يتمتع بسلطة مركزية. لذا جاءت مذكرة المدعي العام لويس أكامبو بعد حل مشكلة منطقة ابيي واقرا قانون الانتخابات وتهيئة البلاد لإجراء الانتخابات. أما فرنسا فهي صاحبة أطماع معروفة في المنطقة وهي تناقض نفسها في الوقت الذي تتحدث فيه عن دعمها للسلام في دارفور في الوقت ذاته تحتفظ بعبد الواحد محمد نور (أحد قادة التمرد في دارفور زعيم حركة تحرير السودان) وقد سمحت له مؤخرا بزيارة إسرائيل. ومن وجهة نظرنا أن هذه الدول الثلاث تلعب دورا سياسيا ممعنا في اتجاه إضعاف السودان وإضعاف سلطته المركزية.
* حاولتم تفعيل المادة 16 من نظام روما قبل صدور مذكرة الاعتقال.. هل هذا تسليم بأنه لن تأتي في صالحكم؟
– نحن نقوم بذلك لأن هذا هو موقف العديد من الأطراف الدولية.. ووزراء خارجية المؤتمر الإسلامي في اجتماعهم في نيويورك في سبتمبر الماضي، اعتمدوا توصية بإلغاء مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية، ولم نعارض المساعي التي تبذلها الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي الرامية لتفعيل المادة 16. وهذه هي المواقف ونحن ندعمها.
وعلى هذا الأساس لم نعارض موضوع تأجيل تفعيل مذكرة الاعتقال في حالة صدورها. وما لمسناه أن أميركا وبريطانيا وفرنسا هذه الدول الثلاث قد توافق على تفعيل المادة 16 بعد صدور مذكرة الاعتقال لتكون المذكرة سيفا مسلطا على رقبة السودان ومصدر ابتزاز مستمر ومصدر سلسلة من المطالب التعجيزية.
* هناك تسريبات بأن قرار المحكمة سيسقط تهمة «الإبادة الجماعية».. ما قولكم؟
– الذي يبدو لي هو وجود بعض الإشكالات لدى قضاة المحكمة.. وعلمنا بالضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على المحكمة الجنائية كي تدرج تهمة الإبادة الجماعية من ضمن الاتهامات الموجهة إلى الرئيس البشير. وإذا صدرت المذكرة بدون إدراج هذه التهمة، سيحرج الموقف الأميركي الذي يرى ما يحصل في دارفور هو إبادة جماعية. وهذا ما يؤكد لنا أن المحكمة الجنائية ليست محايدة، وأنها محكمة سياسية وتخضع للأهواء السياسية، وأنها ليست محكمة قانون بل هي محكمة عدل أميركي أو أوروبي. وينظر إليها في أفريقيا لمعاقبة الرجل الأفريقي وأنها عدالة الرجل الأبيض فقط. ونعتقد أن صدور مذكرة اعتقال بحق الرئيس سيشكل بداية النهاية للمحكمة الجنائية ولدورها ولعلاقات الآخرين معها ولصورتها في العالم ولمصداقيتها وهذا ما تنبأت به مجلة الأيكونومست في بداية هذا العام ورأت أن المحكمة ستفشل فشلا ذريعا فيما إذا قررت إصدار مذكرة اعتقال للرئيس السوداني.
* هناك دول عديدة لم تحسم رأيها في القضية.. حتى تركيا العضو في المجلس، لم تحسم موقفها من التأجيل؟
– المسألة في تقديرنا تكمن في موقف أميركا وفرنسا وبريطانيا، فموقف هذه الدول الثلاث قد أصبح مؤثرا على موقف الدول الأعضاء. وأن رأس الحية هي هذه الدول الثلاث والموقف مرهون بمواقفها سواء باتخاذ سياسة إيجابية أو بالتلويح في استخدام حق النقض (الفيتو). فالأوروبيون في المجلس منحازون إلى موقف فرنسا وبريطانيا وأثرت أميركا على موقف دول أميركا اللاتينية في المجلس (كوستاريكا والمكسيك).
* ما أهمية تأجيل مذكرة الاعتقال.. لأن التهم ستبقى ملازمة للرئيس البشير بعد صدور مذكرة الاعتقال؟
– نحن وافقنا على اللجوء إلى المادة 16 بطلب من المنظمات التي نحن أعضاء فيها بحجة العمل في الإطار القانوني لنظام المحكمة. ولكن نحن لسنا طرفا في اتفاق روما وإذا صدر أي قرار من المحكمة لا يعني لنا شيئا البتة ولن نعترف بالقرار ولا بوجود المحكمة. ولا سلطان على السودان وسنعتبره كأنه لم يصدر، وكما قلت في تصريحات سابقة إنه لن يساوي الحبر الذي كتب به.
* كيف يمكن التعامل مع الدول الأعضاء في المحكمة الذين سيكونون ملزمين باعتقال الرئيس إذا دخل أراضيهم؟
– الدول التي من الممكن أن تقوم باعتقال البشير هي دول لم توجد بعد.. وأن دول المنطقة العربية والإفريقية ودول حركة عدم الانحياز والإسلامية فلها رأي واضح في هذا الأمر، ولا اعتقد أنها ستقوم بأمر يخالف موقفها.
* وماذا عن الأردن العضو الفاعل والنشيط في المحكمة والذي يعتبر واحدا من أطراف اتفاقية روما الأساسيين؟
– لا يمكن أن تكون التزامات الأردن إزاء المحكمة أكبر من التزاماتها إزاء دولة عضو في منظمة الجامعة العربية التي لها موقف واضح من القضية، وهي رافضة لتحركات المدعي العام ولتحرك المحكمة. فالأردن ودول أخرى أعضاء في الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي لها موقف سياسي وقانوني واضح من السودان وأنها لا تضع في اعتباراتها أي شيء يفوق ويتجاوز التزاماتها إزاء السودان وإزاء قيادته. وأخيرا فإن صدور المذكرة لا يعني أنك مدان وإنما هي مذكرة مثول أمام المحكمة وأن المذكرة لا تعني التجريم المسبق، وأن الهدف منها ممارسة الضغوط السياسية والنفسية لتجعلنا في غرفة العناية المركزة.
نقلاً عن (الشرق الأوسط اللندنية)[/ALIGN]