[JUSTIFY]
احساس بالفخر والاعتزاز انتابنى وانا ادخل على احد المحلات التجارية بوسط الخرطوم عندما تبسم لى احد المتسوقين مبادراً بالسلام والتحية، وبدون أية مقدمات فاجأنى بطلب والحاح استاذ بدر الدين انت؟ اجبته بنعم.. وقال مش انت بتكتب فى «الإنتباهة» كررت الاجابة، فقال: انا والله دايرك تكتب عن ائمة المساجد، تخيل انا من رجعت من الاغتراب قبل شهرين كل جمعة بصلى فى مسجد ولحدى اليوم ما وجدت اماماً مقنعاً وخطبته تناسب رغبتى وفكرى!! تعجبت لحديثه وبدأنا نقاشاً طويلاً شارك فيه كل من كان بالمحل الشارى والبائع!! والكل امن على مسائل وملاحظات تستوجب الوقوف والمراجعة، فالامام فى الاسلام واللغة هو من يقتدى به، وهو الذى يؤم الناس مؤتمنين به فى القول والفعل والعمل او غير ذلك. وكلمة امام مشتقة من «الأم» بكل تفاصيلها فى التربية والاقتداء، وقد اصبحنا نعانى من جرأة واصرار شديد للكثيرين على امامة المصلين دون ان تتوفر فيهم شروط تلك الامامة التى فصلها الدين والمنصوص عليها فى السنة النبوية الواردة فى الكتاب، ومحزن جداً ان كثيراً من هؤلاء يفعل ذلك ويتخيل ان فى ذلك شرفاً وغنيمة ومنزلة بين الناس، لذلك يجتهد ويتفنن فى ان يكون من اهلها على الرغم من قناعته الراسخة بانه ليس اقرأهم للقرآن او اعلمهم بالحديث والسنة او اكبرهم سناً كما جاء فى قول المصطفى «ص» «اذا كانوا ثلاثة فليؤمهم احدهم وأحقهم بالإمامة اقرأهم». ولعل ما سمعناه وقرأناه قبل ايام من جريمة منظمة تعد الاخطر فى تاريخ السودان، تفاصيلها أن هناك بعض المجرمين يقومون بعمليات «وشم» وتبديل ملامح الوجه لتبين علامات الصلاة والصلاح فى الجبين «الغرة» وبالتحديد فى سوق ليبيا، وقد تم القبض على هؤلاء واتضح انهم يقومون بذلك العمل الاجرامى لوقت ليس قصيراً لا لأن يؤموا المصلين فحسب، بل لتكون تلك العلامات المزيفة مداخل لهم للنصب والاحتيال باسم الدين والتسول المدعوم بمستندات ومسميات لجمعيات خيرية بدعوى بناء المساجد وحفر الآبار ومساعدة الأيتام، ونثق فى ان ليس من بين الأئمة كهولاء، ولكن نذكر بمداخل الشيطان فلعلها ذكرى تنفع المؤمنين، ولو علم كثير من الذين يسعون بين الناس لصعود المنابر وامامة المصلين بعظمة ذلك لفروا منها طالما انهم ليسوا من اصحابها كما كان يفعل الصحابة والصالحون خوفاً من تحمل مسؤولية ذلك، على الرغم من اهليتهم لها، وهذا يدل على عظم شأن الإمامة وخطرها على من استهان بامرها، وقد بين الحديث الشريف عن قول رسول الله «ص» حيث قال «يصلون لكم فإن اصابوا فلكم ولهم وأن اخطأوا فلكم وعليهم». لذلك يجب علينا ان ننصح الجميع خاصة المدعين والمتسلقين العابثين بتلك القيم والمعانى بعدم اصرارهم على الامامة خاصة للذين لا تتوفر فيهم شروط ذلك، فلا يعقل ان يؤم الناس من يصلى بقراءة خاطئة لفاتحة الكتاب مع انها ركن من اركان الصلاة او من لا يحفظ غير سور بسيطة من القرآن الكريم. وللأمانة نلاحظ ان كثيراً من هؤلاء الائمة لا يتقيدون بكثير من الضوابط العامة فى ظهورهم المجتمعى ان كان فى طريقة تعاملهم التجارى او فى المناسبات العامة والخاصة، فيجب مراعاة قدسية ذلك التكليف وشرف الامامة، وليكن المأموم كما نحب ان نرى تقيداً والتزاماً بالسنة وادب الدين فى التعامل والبيع والشراء، حتى يبتعد عن الشبهات وحليفة الطلاق والقسم الكاذب، فقد رأيته بعينى وهو إمام راتب امام ذلك المسجد العتيق وهو يفاصل فى بيع تلك العربة الفارهة ويكثر من اليمين لاتمام الشغل «على قول السماسرة»، وحكى لى احدهم عن امام ذلك المسجد الامدرمانى العريق وهو يجيد البهرجة والبوبار وجميل الثياب وحلو الحديث، وقد اقسم الراوى بأن ذلك الامام يجالسهم لساعات فى جلسات السمر والشعر والفرفشة دون كبائر، فهذا هو بعض الواقع عندنا فى السودان، ولا ننكر بأن هناك أعلاماً وأفذاذاً يصعدون المنابر بتميز ويتقنون الحديث نجد عندهم حلو الكلام وادب الاسلام، فقهاء اعلام اجلاء زاهدون فى دنيا الهوى والنعيم الزائل، نعتز بهم ونستفيد من خطبهم، ولكن نجتهد حتى نصل لمساجدهم، فلماذا لا تكون الشمولية فى هذا العمل الدينى المهم، لماذا لا تتم مراجعة ائمة تلك المساجد ودور العبادة وتوضع الضوابط والشروط لهم حتى يكون صعودهم للمنابر بجدارة مستحقة وقتدار؟ لماذا لا تولي وزارة الارشاد هذا العمل الدعوى الاهتمام، وتؤهل وتدرب فيه المتطوعين المختارين وتتكفل بابتعاثهم للخارج لتجويد فقههم وزيادة محصلتهم الدينية واللغوية، ففى الدول الاسلامية والخليجية خاصة نجد ان امام المسجد يتميز بكثير من المميزات من حيث المسكن والملبس وحتى الدابة التى يمتطيها، وقد رأيت امام الحرم الشريف كيف يحاط بمجموعة من العسكر، وكيف يفتح له الطريق كحال الرؤساء، وتتشابك ايادى الحراس حتى لا يلمسه المريدون والمصلون لا لشيء غير ان فيه بركة البيت العتيق، دققوا معى فى ذلك الاهمال الذى نراه فى أئمة مساجدنا !! انتبهوا لبعضهم فى خطبهم وطريقة تسلسل الحديث وركاكة القول وعدم التجويد، فقد اجد نفسى مرتبكاً بعض الشيء فأنا اتحدث عن ظواهر واقعية أعني فيها الخطوط الحمراء والفواصل واحترم فيها ادب الدين والاسلام، واجعل لهؤلاء مكانة خاصة فى نفسى، فهم فى منابر اهل الرسالة ودعوة الخير، ولكنى اطمع فى التجويد والتدقيق، واصر على ان تراجع تلك الفئة المهمة فى مجتمعنا، وتخصص لها ادارات مفعلة لا مسميات، وتشرف على كل ما يليهم بدءاً بالمسكن وراحة النفس والبال والتأهيل، ولا بد ان تراجع الانظمة فى تعيينهم وبرواتب مجزية ومخصصات تناسب ما يقومون به من عمل كبير ومتعاظم، ولا بد من ابعاد العشوائية فى التكليف بالإمامة والتقليدية فى ذلك، فنحن نريده اماماً فقيهاً متمكناً على مذهب الامام احمد وابي حنيفة، ونريده قارئاً يقدم عليه الفقه لأن الذى يحتاج اليه من القراءة مضبوط والذى يحتاج اليه من الفقه غير مضبوط، وقد يعرض فى الصلاة امراً لا يقدر على مراعاة الصواب فيه الا كامل الفقه، هكذا نريد ان تكون منابرنا باجمعها لا نفرق او نجهل بعضها حتى لا يصر البعض على ان تكون الصلاة مع شيخ «فلان» فكلها مساجد لله ومنابر للحق نختار فيها الاجود والافيد، ونراجع فيها خطبهم لغوياً وفقهياً، ونخصص لجاناً لذلك ونثبت من يستحق تلك الامامة والقيادة ونبعد من فشل في توصيل الرسالة، لا نجامل او نتهاون فإنه امر الدين والرسالة الربانية بالدعوة والتبشير، والرسالة تحتاج لفصيح اللسان وصادق البيان للتبليغ، ورفيع المكان، وانا اطمئن الاخ صاحب الشكوى والعتاب بأن التصيحيح سيكون والمراجعة ستتم.. وما رأيته فى دولة الامارات وبمساجدها ودور العبادة فيها ستجده بيننا، فقط نناشدك وامثلك وانا اعلم سعة المال لديكم، بأن تشاركوا الدولة فى التأهيل، واعينونا بتجديد الفرش والمصالى وتزيين المساجد بالمصاحف وكتب الفقه وساعات الحائط، واتركوا ما تتمنونه للدولة ،، فلا يعقل ان تخلص كهرباء المسجد وانت تصلى فيه، ولا يعقل ان تظل تلك الساعة الحائطية متعطلة عن الدوران ولاكثر من عام، انفروا خفافاً وثقالاً بما اتاكم الله من نعم لنعطر المساجد وننظف ونرمم جدرانها، ليكون الجمال مشتركاً.. جمال المعنى والمبنى ونرفع فيها اسمه تعالى .
صحيفة الإنتباهة
بدر الدين عبد المعروف الماحي
[/JUSTIFY]