ربما لأحساسه بتأنيب الضمير حاول أن يبرر لـ (عباس) السبب في تنازعه، بين رغبته في تلبية طلبات اطفاله الصغار الذين يحبون الموز بصورة خاصة، ويلحوا عليه يوميا على أن يجلب لهم معه (حاجة حلوة) في طريق عودته من العمل، وبين وضعه المالي البسيط ومرتبه المتواضع الذي لا يسعفه بفائض يتيح له احضار كميات كبيرة من الفاكهة تكفي جميع أفراد الأسرة الكبيرة بصورة يومية …
بالاضافة لأنه في دواخل نفسه كان يحس بالغبن من أخوته الشباب (العواطلية)، الذين يقضون نهاراتهم في النوم والتسكع، بدلا عن السعي لكسب رزقهم ومعاونته على إعالة الأسرة، ولا يشعر بأنه مجبر على اطعامهم، ومن ثم (كمان) توفير (التحلية) مكافأة لهم على (التنبلة)، لذلك يلجأ مجبرا على الدخول إلى البيت متسللا بـ كيسه الذي يحوي كيلو الموز، وهو أحرص ما يكون على أن لا يراه أحد، قبل أن يدسه في الغرفة ثم يعود و(يعمل فيها يا دوب جا)، ليلقي بالتحية على أمه وأخواته، ولكن حظه العاثر وربما سابق الاصرار والترصد منها، هو ما يجعله يصادف أمه دائما بالقرب من باب الشارع فضبطه بالثابته !
مشكلة (منتصر) وحساسية موقفه مع أمه، هي مشكلة الكثير من أرباب الأسر الصغيرة، الذين دفعتهم الظروف الاقتصادية لبدء حياتهم الزوجية مع أسرهم الكبيرة، حيث يكون المطبخ مشترك والمساهمة في منصرفات الطعام تكون بـ (الشيرنق)، بحيث يدفع كل منهم مبلغ معلوم يتم الصرف منه على (حلة الملاح) ولكن لا يشتمل بالضرورة على حق (التحلية)، مما يضطر البعض كحال (منتصر) لممارسة (المزازة) في سبيل توفير الحاجة الحلوة لعياله بعيدا عن خشوم وعيون باقي أهل البيت الكبير.
تلك المشكلة وإن بدت بسيطة ولكنها شوكة في خاصرة الحياة اليومية للبيوت الكبيرة، التي تحتوي على أكثر من أسرة ومطبخ واحد، فقد تابعت معاناة أحد معارفنا والذي يساكن نسابته، حيث حكى لنا عن عدم استطاعته الاستمتاع بمطائب الطعام الذي يشتهيها، حيث لا يستطيع احضارها للبيت فلا يناله منها إلا الفتات، عندما يتوزع (دم الكيس) بين قبائل خشوم أهل البيت، فرغم أنه قد اشترى ثلاجة ووضعها في غرفة نومه حتى يستطيع أن يتناول منها ما يشتهي من مطائب التي يحضرها بالدس، إلا أن زوجته كانت تستنكف وتأبى أن تشاركه في تلك الخيانة، فكيف لها أن (تستخسر) في أمها القليل من الفاكهة أو الباسطة والبسبوسة، وهي التي أعطتها من عمرها ولم تستبقي شيئا في سبيل راحتها وهنائها طوال سنوات تنشأتها وحتى زواجها من ذلك الزوج الذي ينسى أو يتناسى حكمة أهلنا التي تقول (البياكل براهو بخنق) !
كذلك يتشارك في تلك المشكلة طلاب الجامعة من قاطني الداخليات، فعندما كنا نسكن في بيت الطالبات بالاسكندرية ، حيث كان على الطالبات المرور أمام محل المشويات في ناصية الشارع، فتهفو نفيساتهن لسندوتشات الشاورما والكفتة التي يبرع في صنعها صاحب المحل، لذلك تقع الواحدة فيهن في الحيرة بين نارين .. نار حمل الساندوتش للبيت ومشاركته مع الأخريات فلا ينوبها منه إلا القرمة الأخيرة، وبين نار دق اضان الجلد فتقوم بالتهامه براها حتى اخر قضمة .. طبعا بعد داك ترجي المغص ووجع البطن من نفيسة الشافوهو وما ضاقوهو معاها .. لذلك تفضل الكثيرات من قاطنات البيت، الوقوف على الناصية والتهام السندوتش بسرعة صفر ثم (قش الخشم) والعودة مرتاحات البال والبطن.
وقد سمعنا كذلك بقصة البرلوم الذي كان يحب أكل الباسطة ويتعشى عند أهله بـ كيلو منها يوميا، ولكنه حرم من تلك المتعة في الغربة حيث لا يستطيع احضار الباسطة للشقة ومشاركتها مع زملائه العشرة إلى أن عنّت له فكرة … تعود زملائه بعد ذلك على رؤيته وهو يحمل كتبه في شنطة السامسونايت والبطارية ويدلف لسريره ويتغطى بالبطانية، بحجة أنه (بردان) ويحب أن يذاكر دروسه تحت البطانية على ضوء البطارية .. ولكن كانت دهشتهم العظيمة عندما شكّ أحدهم في الحركة والاصوات المبهمة التي تصدر من تحت البطانية فسحبها عنه فجأة، ليجده يجلس في منتصف السرير وعلى حجره شنطة السامسونات المفتوحة، وقد لاح منها كيس الباسطة بينما انتفخت جضومه بقطعة كبيرة حشرها في فمه بكاملها من شدة الخلعة !
لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com