يكبروا الصغار ويزيلوا الغبار

[ALIGN=CENTER]يكبروا الصغار ويزيلوا الغبار[/ALIGN] أوقع (قاسم) يمين الطلاق منهيا به عشر سنوات من الحياة الزوجية مع زوجته وأم أبنائه الأربعة (رقية) ، وغادر بيت الزوجية حيث كانا يقيمان مع أسرتها الكبيرة، بعد أن إشتدت الخلافات بينه وبينها من جهة، وبينه وبين إخوتها وأبوها من جهة أخرى، بعد أن إتهموه بالكسل والتقاعس عن السعي لكسب الرزق وإعتماده الكامل على نسابته في الصرف عليه وعلى أبنائه، بينما إمتلأ صدره غُبنا منهم لعدم صبرهم عليه وعدم تقديرهم لتعثره وضائقته الماليه الناتجة عن فشله في إيجاد عمل دائم ومصدر دخل ثابت.
لاذت (رقية) بحضن أسرتها وإعتصمت بحبل مودة إخوتها مستبدلة ضل الراجل (الحالو مايل) بضل عزوة أهلها، ولاذ هو بكبريائه أو ما تبقى منه بعد (شيل الحال) الذي لحق به على يد نسابته، لذلك لم تجد مساعي المصلحين وفاعلي الخير إذنا صاغية لدى الطرفين في محاولتهم لإصلاح ذات البين … مرت الشهور وتعاقبت السنوات وسارت مركب الحياة بكل من الطرفين مسارها، فقد تزوج (قاسم) مرة أخرى بعد أن تمكن من شراء عرية تاكسي مستعملة وصار (يستحلب) منها رزقه بالبركة والتساهيل، كما اعانته القسمة بزوجة صبورة مدبرة إستطاعت أن تتدبر معيشتها وأبنائها منه على حد الكفاف عن رضا وحمد لله، وعلى الجانب الآخرإجتهدت (رقية) في تربية أبنائها الأربعة بمساعدة أخوالهم بعد أن طلقها أبوهم وتركهم لها (لحم أحمر) لا يتجاور عمر أكبرهم السبع سنوات، نذرت نفسها لخدمتهم فلم تفكر في الزواج مرة أخرى وكان ردها على كل من يراجعها في عزوفها عن الزواج ويلومها على هجر شبابها دون زوج، كانت تجيب بالإشارة لإبنها البكر (معتصم) قائلة:
أنا دايرة بالرجال تاني شنو؟؟ .. كفاي (معتصم) يبقى لي راجلي .. بكرة يكبر هو وأخوانو الصغار ويزيلوا الغبار !
صدّقت السنوات ظن (رقية) فقد كبر (معتصم) وتوفق في الحصول على وظيفة محترمة في إحدى دول الخليج بعد إكماله لدراسته الجامعية مباشرة مما جلب للأسرة المزيد من الرخاء وسعة العيش حيث تكفل بمصروفات الدراسة الجامعية لبقية إخوته بل وكافة مصاريف إعاشتهم، وبينما جادت الحياة على (رقية) وأعطتها وجه الخير وكافأتها على صبرها في تربية أبنائها، أدارت الأيام عن (قاسم) وجهها وتبدلت به الأحوال بعد أن كبر وتفاقمت معاناته بسبب المرض وتدهور ظروفه المالية، فبعد أن باع التاكسي الذي تحول مع مرور السنوات الى قطعة خردة، صار يعمل أجيرا (ركيب) على تكاسي الآخرين.
لملم (قاسم) شتات نفسه وقاوم كبريائه وتوجه لطلب العون من إبنه البكر عند عودته في إحدى إجازاته، طلب منه أن يبره بشراء عربة تاكسي جديدة ليعمل عليها أو يمول له مشروع صغير يعينه على تربية إخوته الصغار، لم يبخل (معتصم) على ابيه الذي لم يجهد نفسه يوما بحمل همهم أو الصرف عليهم بل رحب بمساعدته فورا ولكنه إشترط عليه شرطا غريبا مقابل ذلك فقد قال له:
– على عيني وراسي يا أبوي حا أشتري ليك التاكسي .. لكن أنا عايزك تكرمني بي حاجة تانية !
– قول عايز شنو يا معتصم يا ولدي؟؟
– عايزك ترجع أمي لي عصمتك تاني!
– قلتا شنو؟؟ كيف داير الكلام ده يحصل بعد السنين دي كلها؟؟ وبعدين أمك ما أظنها ترضى كلوكلو!!
– أنا عايزك ترجعا عشان هي ما تزعل لو أنا إشتريت ليك التاكسي وتعتبر إنو خيري حا يمشي لزوجتك وأولادك منها بعد تعبت فينا السنين دي كلها براها .. أرجوك رجعا عشان أنحنا محتاجين ليكم إنتو الإتنين وعشان تكرم كُبره وتعيش معززة باقي أياما.
– أنا ما عندي مانع لو هي بتوافق .. هسي بعقد عليها تاني.
– خلي مواففقتا علي أنا .. بجيبا.
لم يتعب (معتصم) كثيرا ليحصل على موافقة أمه على الرجوع، الذي رضيت به عشان خاطر عيونو، وحتى تقف مع أبيه في زواجة وزواج أخوته من بعده (وما بتخلى الحكاية من الرغبة في مكاواة الضرة التي إستحوزت على (قاسم) لمدة تقارب السبعة وعشرين عاما).
أقيمت الأفراح وتم عقد قران (قاسم) و(رقية) كأبدع وأجمل ما يكون زواج الصبيات الصغيرات رغم أن العروس قد(مشطت البيضا مع الزرقا وفقدت من فمها سن .. سنين وكم ضرس) ليصدّق الله ظنها القديم بأن:
يكبروا الصغار ويزيلوا الغبار.

لطائف – صحيفة حكايات
munasalman2@yahoo.com

Exit mobile version