وفي العام1963م وبناء على نصائح مدير مدرسة الصيدلة أقر مجلس الجامعة رسمياً تأسيس كلية منفصلة للصيدلة، لتحل محل مدرسة الصيدلة بكلية الطب، وقد عُين البروفيسور دراسي أول عميد لها (1962- 1967م) وبعد فترة قصيرة كان للسودنة أثرها إذ عُين الدكتور ابراهيم قاسم مخير كأول عميد سوداني لكلية الصيدلة (1967-1970م)، ثم تلاه رفعت بطرس(1970- 1977م)، ثم البروفيسور يحى محمد الخير(1977- 1981م).
ولم يكن السودان قبل ذلك الوقت يعرف عن الصيدلة الكثير، إذ كان حينها الممتهنين للصيدلة من السودانيين يسمون بالأجزجية(كلمة تركية مشتقة من كلمة أجز-خانة وتعني مكان الدواء(وكان سيد المبارك هوالصيدلي المسؤول عن السلاح الطبي والمفتي هو مدير إدارة الصيدلة، ومن أوائل الصيادلة في السودان الدكتور ابراهيم قاسم، والدكتور يوسف بدري، وقد تخرجا في العام 1937م من بيروت ليصبحان من أوائل الصيادلة في السودان. الآن وبعد أكثر من نصف قرن من الزمان وفي ظل الانفتاح الملحوظ في دراسة الصيدلة في السودان، نجد الآن عدد كليات الصيدلة 17كلية.. الحكومية منها والخاصة، وعدد الكليات الخاصة يفوق ضعفين الكليات الحكومية، فهل هذه الزيادة تصب في مصلحة مهنة الصيدلة، والكادر الصيدلي في المستقبل أم سيكون لها الأثر المضاد لهذة المهنة؟مهنة الصيدلة أهم المهن التي لها وضعها في المنظومة الصحية والمجتمعية، وخصوصاً في ظل التخصصات الصيدلانية التي باتت في ازدياد، فمجالات التصنيع والتركيب ومجالات التسويق الدوائي ومجالات الممارسة الاكلينيكية، ومجالات البحث في العقاقير الطبيعية وضبط الجودة والكيمياء الصيدلانية و..الخ؟ أما الأثر ذو القدح المعلا فهو الأثر الاقتصادي لمهنة الصيدلة- كما هو معلوم لمعظم الناس- أن البلدان ذات الوضع الاقتصادي الجيد أصبحت متوجهة في مجالات التصنيع الدوائي وتسويقه با لخارج، ومعظم البلاد التي تستقر اقتصادياً تعتمد بشكل كبير على ذاتها في التصنيع الدوائي.وما هو مخفي على الكثير أن كل البلدان العربية ليست فيها بلدة واحدة تصنع المادة الخام أو تستخلصها، اي أنها تعتمد في صناعتها على استيراد المادة الخام وتشكيلها وتغليفها ثم تسويقها، فما بال السودان إذن يستورد منها الأدوية وهو بتلك الإمكانات والمساحات الشاسعة التي تسمح بقيام كبريات المصانع وتجعل من السودان من البلدان الأولى في التسويق الدوائي للخارج!!
عدد طلاب الصيدلة اليوم حوالي 12 ألف طالب صيدلة في السبع عشرة كلية، وكلنا نطمح بأن يكون هناك مستقبل أفضل لهولاء الطلاب والذي بدوره حتماً سيؤثر إيجاباً في مستقبل البلاد، كي يكون المستقبل أفضل لابد من وجود تنسيق بين الأداة التعليمية والأداة العملية، فلا يمكن لمهنة ما من مستقبل أفضل وتطور ملحوظ بدون كادر مؤهل يدفعها للأمام، وذلك الذي ينبغي أن تساهم فيه كل مؤسسات الصيدلة وهو تطوير الأداة التعليمية للصيدلة في السودان.
إن دراسة الصيدلة دراسة تطبيقية تعتمد على الممارسة المعملية في جميع تخصصاتها، فهل كل الكليات الحالية تمتلك من المؤهلات المعملية والبيئة الجيدة لبلوغ هذا الهدف وإخراج صيدلي المستقبل؟ فالمجالات الطبية أصبحت مجالات استثمار وأصبحنا نتكلم بلغة الكم في الكليات، ولكنه الأحرى بنا أن نتحدث بلغة الكيف، فما هو دور الجهات الفنية المنوطة بدراسة اداء الكليات اي متابعة الكليات؟ وما هو مناص تلك النتائج والتوصيات؟ وماهي أهمية التنسيق الذي يفترض أن يكون بين الجهات الفنية الرقابية والتنفيذية؟إن الوضع الراهن للتعليم الصيدلي في السودان يحتاج الى وقفة من جميع المؤسسات والقطاعات الصيدلانية والمؤسسات التي لها علاقة وطيدة بالصيدلة فهذا العدد من الكليات والطلاب يجب أن يستثمر في خدمة المهنة لا لترديها، يجب أن تكون هنالك قنوات أكبر لإستيعاب الطلاب وتوجيه تفكيرهم نحو خدمة البلاد وتحفيزهم للبحث والدراسة، وأتاحت كل الفرص الممكنة لهم للتأهيل في مجالات الصيدلة المختلفة، وخصوصاً مجالات التصنيع الدوائي، فما عادت المعوقات المالية تشكل العائق الأكبر بل العائق هو عدم وجود القوة الدافعة من المؤسسات الصيدلانية تجاه الطلاب وتشجيعهم للمضي قدماً للأمام، في الوقت الذي أصبحت فيه مهنة الصيدلة تنحصر يوماً بعد يوم في التسويق الدوائي لصالح شركات الاستيراد والتنافس المتعمد للوصول للكميات المطلوبة في التوزيع الدوائي، وأيضاً تدهورت ممارسة المهنة حتى في صيدليات المجتمع لتصبح مهنة الطبيب الصيدلي هي حبة كل ست ساعات وحبة كل 8 ساعات، فهل هذا الذي نريد أن نصل إليه في مقدم الأيام أم هناك آفاق أكبر ونجاح مرتقب يجب أن نحققه على مستويات المهنة؟،اسئلة تحتاج للإجابة..
نحن كصيادلة للمستقبل نطمح أن تكون واحدة من أسباب نهضة البلاد هو تطورها في المجال الصيدلاني، ولن يتأتي هذا إلا بعد جهد وتكاتف، وأن تكون هنالك معايير واضحة وتناقش بموضوعية للوصول للأهداف التي نريدها، فذلك سيكون نقطة تحول كبيرة لنظرة العالم الخارجي للتعليم الصيدلي في السودان وأثره البالغ إيجاباً في تطور المهنة الى الأمام.
وفي ذات السياق ونحن على دفة مسيرة التعليم الصيدلي في السودان عندما نجد عدد الكليات أصبحت بهذا الرقم وعدد الطلاب بهذا الكم، يجب أن يطرح سؤال ومن منطلق واقعي أين الكوادر والهيئات التدريسية التي يمكن أن تغطي سعة التدريس وبكل كفاءة، وإن كان لا يخفى علينا وعلى الجميع هجرة الكوادر المؤهلة خلال السنتين الأخيرتين لنفقد يوماً بعد يوم عمداء لكليات الصيدلة لهم الباع الطويل والخبرة المتراكمة في حقل التعليم، ونفقد أساتذة لهم من فكرهم ورؤاهم مما يسع أن يجعل من السودان قلباً نابضاً وشرياناً يتدفق بشتى علوم الصيدلة فأين وكيف يذهب هولاء العلماء والأساتذة، ونحن نأمل مع تقدم السنين ينصلح الوضع من حسن الى احسن، فالتعليم هو رافعة التنمية وقوة التعليم وتطوره مؤشر لتغيير محتم، ولكننا لا نستطيع أن نستوقف وكيف يقف أمام هجرة الأساتذة إن كانت الأسباب منطقية وواقعية، وفي ظل الظروف الاقتصادية والكل له أسرة يعولها ومستقبل يجب أن يصنعه لأبنائه، لذلك يكون خيار الهجرة أفضل دون شك وبدون تردد ولا شك أننا ندرك أهمية المعلم، فهو الذي يصنع الوزير ويصنع المدير، فالمؤسسة التعليمية كالبذرة الجيدة أحسن الزارع زراعتها نجحت وأتت أكلها، وإن لم يحسنها فأنى لها أن تنجح، ولعلنا الآن ندرك السوال هل ستبقى هيئة التدريس بكاملها عند بداية العام الدراسي الجديد أم لا..اليوم الجزء الأكبر من كليات الصيدلة يعاني من نقص في هيئة التدريس، وفي بعض الكليات نلاحظ أن مساعدي التدريس قد حلوا محل الأستاذ الذي في معظم الأحيان قد سافر خارج البلاد لأجل غير مسمى أو لأجل بعيد، فتلجأ الكلية اضطراراً الى ترقية أساتذة قد يحتاجون للخبرة والدراسة أكثر مما عليه، فالطالب اليوم يحس بالفرق والنتيجة في المستقبل الذي أوكلنا عليه مهام النهضة بالبلاد في مجالات الصيدلة.ومن أكثر ما يسعدنا عندما نسمع خبر أن هناك أُستاذ قد أكمل دراسته وسيعود للسودان عما قريب أو قد أكمل رسالة دكتوراة أو ماجستير، وسينخرط في سلم التعليم، فما يسعدني يسعد جميع الطلاب لأن الحاجة أصبحت ماسة، ونحن الآن نعيش في هذه الظروف ينبغي علينا كمؤسسات صيدلانية وكطلاب وكهيئات أُخرى أن نعطي المعلم حقه من الاحترام والتكريم والتقدير في الوقت الذي تدنت فيه هيبة المعلم أكثر مما نعرف، يجب أن تكون هناك حوافز أكثر معنوية كانت أو مادية، وأن تُحفظ للمعلم هيبته، وأن تحمي حقوقه فإن يوم يمضي لايعود ولن يعود..
عندما سئل رئيس الوزراء الياباني في ذات مرة- وكلنا يعلم حجم الدمار الذي لحق باليابان في الحرب العالمية الثانية وأصبحت دون الصفر بكثير- ولكن بعد فترة وجيزة تستعيد اليابان قوتها، فكان السؤال ما هو السبب وبهذه العجالة والحركة في النهوض والتطور في كل المجالات ليكون رد الرئيس.. لقد أعطينا المعلم راتب وزير وحصانة دبلوماسي وإجلال الامبراطور…
وفقنا الله وإياكم في خدمة البلاد والصيدلة
الأمين العام لاتحاد طلاب الصيدلة السوداني.
صحيفة آخر لحظة
ت.إ[/JUSTIFY]