تجدد دورة الحرب كل حين في ” المنطقتين “

[JUSTIFY]هنالك محاولة لإنتاج “نيفاشا” جديدة عبر التفاوض في أديس أبابا بين “عرمان وغندور”، لأن كل الأدلة تشير إلى أن الطرف الآخر في التفاوض يرفع نفس “المانفسيتو” الذي دخلت به الحركة ما بين “طه وقرنق” حتى اتفقا في 2005م.
وتعد من المفارقات السياسية الكبيرة أن يرفض أحد الأطراف على طاولة المفاوضات اتفاقاً أولياً لوقف إطلاق النار في المناطق التي يتحدث عن وجود أوضاع إنسانية مزرية بداخلها، كيف يستقيم ذلك؟!
وما هي الحكمة من الاحتفاظ بحق إطلاق النار هناك برأيهم؟!
تغيرت على مستوي التكتيكات القتالية والسياسية تلك الظروف التي جعلت من الحركة الشعبية ندا للحكومة كما كان في السابق، حيث لم تعد هناك أي دوافع حقيقية لتحقيق سلم في هاتين “المنطقتين” التي عاني مواطنوها من الفقر والتشريد والإقامة الجبرية بلا ذنب جنوه.
عكست طريقة “التكويش” على ملفات السياسة والأمن من قبل قطاع الشمال في الحركة الشعبية العميق الخارجي المساند بقوة لإرادة هذه القلة المتمسحة بمسوح اليسار في هذه الحركة لإقتلاع نظام الحكم بالخرطوم من جذوره عبر الاستنزاف والتفتيت المنهجي.
ولم يكن مستبعداً البتة أن تنهار هذه المفاوضات التي جاءت عقب “صيف حار وطويل” في المنطقتين، والتي شاءت إرادة قادة قطاع الشمال أن تتحول قضيتها بحسب “القرار الأممي 2046” إلى مناقشة قضايا السودان ككل وبكامل التفويض وهذا ليس حقيقياً البتة.
إفتقاد الحركة الشعبية لعنصر “الأرض” في المنطقتين جعلها تحلق عالياً في الفضاء الدولي بحثاً عن أساليب جديدة للضغط على حكومة السودان لكي يتم الدفع بالمزيد من المقترحات فيما يختص بتقليص مساحة البلاد وتغيير وجهتها السياسية والدينية والثقافية “مجاناً”.
إعادة بناء الدولة التاريخية في السودان مطلب شعبي رفعه كل أهل السودان ومنذ أيام الاستقلال، وإن رفضت ذلك بعض المجتمعات المحلية في جنوب السودان لتتمسك برؤيتها السياسية الخاصة لتذهب بموجبها للاستفتاء، وانتهت تلك الفترة بانتهاء “الإنفصال”.
كان واقعياً بروف غندور حينما أقر بأن الحركة الشعبية والوطني لا يملكان التفويض الكامل من الشعب السوداني لإلغاء هذه الدولة التاريخية بالصيغة التي تم بها عرض مقترحات الحركة في التبادل الفني لوجهات النظر قبل التفاوض من خلال الوساطة الأفريقية.
والقفز على المراحل واعتماد “الخداع” كوسيلة من بين وسائل انتزاع الحقوق أو التمكين في السياسة لم تعد سارية المفعول في هذه الأيام، لان الوعي الاجتماعي بمخاطر التجزئة والتسلط الأيدلوجي ونقل التجارب الدامية إلى مدنهم وقراهم ليس بعيداً عن العين والأذن.
وحتى خيار الحرب التي يتم الضغط من خلالها في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور بواسطة قوات الجبهة الثورية أصبحت هي الآن في حد ذاتها موضع نظر محلي ودولي، لإنها غير مبررة لا في أهدافها المنتخبة ولا حتى في الطريقة التي تدار بها هناك.
المراقبون الدوليون والمبعوثون الذين قضوا أياماً دافئة في أجواء أديس أبابا المعتدلة، كانوا شهوداً على مدي التجاوز السياسي الذي تتعرض له الدولة في السودان من تنظيمات مسلحة تتحدث بلغة “الدولة” وتتماهي بها وهي مندحرة عسكرياً في هاتين “المنطقتين”.
كيف يمكن أن يقبل أي حزب سياسي بالخرطوم في اليمين أو اليسار أن تتم إعادة كتابة وثيقة اتفاق أعرض من “اتفاقية نيفاشا” الأم نفسها؟!.. الأمر الذي يستدعي قدراً من “الاستجمام” عند هذه العتبة العالية التي يجر قطاع الشمال هذه الأحزاب نحوها بشدة.
ولن يكون مدهشاً البتة، أن تكون هذه الجولة الأخيرة التي فشلت ومنذ بدايتها، قد انطلقت والحركة الشعبية “جنوب” تسوق نموذجها في الصراع الدامي على السلطة على بعد “40 كليومتراً” من أديس أبابا حيث يجلس قادتها “المتناحرين” لإيجاد حل سياسي لبلدهم.
خسر الشعب السوداني الكثير من الحروب الأهلية وخسر بالتفاوض أكثر، فإذا كانت هنالك ضرورة لمعالجة أوضاع سياسية معقدة يمر بها قطاع الشمال في هاتين المنطقتين وفي الجنوب فإن هنالك لغة وأدوات أخرى يمكن استخدامها بعيداً عن إهدار المال والوقت الثمين.
ليكون على الجميع التوجه لمجلس الأمن مرة أخرى، ليبلغوه بأن الظروف التي صدر فيها القرار “2046” لم تعد هي نفسها الظروف، وأن التعقيد الذي أودي بهذه المفاوضات جاء نتيجة لغياب “الأهداف” ومحاولة قطاع الشمال فرض أمر واقع بلا استحقاق على الحكومة.
ويبدو أن والي جنوب كردفان آدم الفكي يقرأ كف هاتين “المنطقتين” فقد صرح بأنهم لا يستبعدون التصعيد العسكري من قبل قوات التمرد التي توجد “حالياً” في ثلاث محليات من جملة سبع عشرة محلية، ولم يكن مطلوباً أو مرغوباً أبدا أن تدور عجلة الحرب مرة أخرى.
وإن كان لهذه المفاوضات الأخيرة بين قطاع الشمال والحكومة فائدة تذكر، فإنها قد جاءت وكل فئات المجتمع السوداني تنظر بعيون مفتوحة تجاه تجليات “التضليل السياسي” والخداع الذي لطالما مارسه البعض لإثبات حقوق هي ليست له على الهواء مباشرة.
ونحسب أن جهود التنمية التي تجري في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق من قبل الحكومة وبعض منظمات المجتمع المدني هي الطريق إلي معالجة آثار الحرب وتسوية المشكلات الاجتماعية التي خلفتها ويبدو أن رائحة الرصاص والدخان لن تغادر الأنوف قريباً.

صحيفة الصحافة
محمد المجمر
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version