تذكرت تلك الحادثة وانا أشاهد غير مرة مقطع فيديو الراعي السوداني الذي اكتسب شعبية كبيرة في عالم الاسافير وانتقل لاحقا الى الاعلام المقروء والمشاهد ..عزيزي القاريء كن معي عبر هذه المشاهد.. ثري سعودي ومعه صديق يركب عربة فارهة في جوف الصحراء السعودية ..الثري ينظر الى عامل سوداني يهتم برعاية أغنام ..السعودي يطلب في استخفاف من الراعي ان يمنحه احدى النعاج بدون مقابل ..الراعي السوداني يرفض العرض جملة وتفصيلا .. المزاودة والاغراء يصلان لمئتي ريال .. حوار *يمضي في سلاسة بينما سعودي اخر يحمل هاتف نقال يصور المشاهد.. اغلب الظن ان صاحب العربة افترض سذاجة في السوداني وربما ظن ان الراعي البسيط لم يشاهد هاتف مزود بكاميرا..الثري لم يعرض غير مئتي ريال ثمنا لاختبار مصداقية الشاب.. بالطبع حتى اذا كان ذاك الشاب نصاب لما باع احدى النعاج لرجل هيئته وهندامه وعربته الفارهة *ولحيته الكثة لا تدل ان يكون جزءا من عملية سرقة نعجة.
مشهد مغاير وفي تمام البطولة لم ينال هذا الاهتمام.. سوداني كان يعمل في شركة في السعودية .. الشركة خصصت مسكن لهذا الموظف..من قبل سكن في ذات المكان مواطن سوري توفاه الله وجاءت زوجته لتبحث عن ما تركه من أموال .. جمعت الزوجة المكلومة ما جمعت ثم عادت لبلاد الشام..مواطننا السوداني وبعد أقام طويلة وجدا كنزا من الذهب والفضة مخبأ بعناية في (برميل ) بلاستيك ..السوداني النبيل لم يفعل غير ان اتصل بالشرطة ومديره في العمل.. بعثة مشتركة وجدت قيمة الكنز تقارب نصف مليون ريال.. المواطن السوداني لم يحظى بشيء غير مكافئة مالية ولقطة مصورة مع رئيس قسم الشرطة في تلك المدينة.
السؤال لماذا اهتم الاعلام بفيديو الراعي البسيط.. اهتمام بلغ ان يهاتف والى الجزيرة الراعي.. وترسل صحيفة تبوك السعودية صحفي الى عمق الصحراء ليجري حوارا مع الرجل النبيل.. مؤسسة الحصيني السعودية منحت الراعي الأمين مبلغ عشرين الف ريال كهدية تقديرا لامانته.. بل ان قناة الشروق السودانية ركبت الموجة والتقت براع *و تبين لاحقا انه راع مزيف استغل ملامح الشبه بينه وذاك الراعي.. الراعي المزيف حاول إحراز هدف حينما رفض المكافأة السعودية *من باب التعفف.
الاهتمام سببه ان السعودي كاتب السيناريو اذا جاز التعبير استغل الحادث العادي وبث فيه روحا جعلته مدهشا.. السينارست ربط بين مشهد الراعي السوداني وبعض من قصص السيرة النبوية.. كما ان اللغة البسيطة والمعبرة والتي احتاجت لترجمان جعلت الفيديو مثيرا..سبب الانتشار ان الحادثة وقعت للسودانيين في (جرح ).. صورة السوداني في الخليج أصابها تشوهه حقيقي.. الصورة الذهنية بدات تعرض السوداني في شكل الساحر الذي يمارس الدجل.. او الكسول الذي يطلب إجازة حتى وان كان عمله من داخل غرفة نومه.. لهذا احتفت جموع السودانيين بهذا المشهد الطيب.*
بصراحة ما قام به الراعي الحقيقي مسالة متوقعة من اي سوداني مؤتمن على أمانة .. وبصراحة مؤلمة ما قام به الراعي المزيف هدم كل (الصيت) واكلت السيئة الحسنة..تخيلوا ان مواطن ينتحل صفة الاخر وبقوة عين يعتذر عن استلام الجائزة..بالطبع الراعي المزيف كان يدرك انه لن يحصل على تلك المكافأة بعد (الفيش والتشبيه).
الدراما السابقة محتاجة لوقفة مع النفس السودانية ..كيف كنا ولماذا اصبحت امانتنا تختبر بنعجة سعرها مئتي ريال.
عبدالباقي الظافر
*الأهرام اليوم*