وكتب الشاعر «الحنين البي ما قدرو.. العمر من وين يشترى». وكتب آخر: «كفى يا قلبي أنسى الفات وعيش من تاني وحداني.. لو حنيت لعهد الشوق أجيب من وين عمر تاني». الآن معظم القوى السياسية التي يمكن أن يكون لها تأثير في المعادلة الانتخابية ومن ثم دخول البرلمان وتشكيل الرأي العام وتأليبه وتحريك الشارع بالتالي يدفع برلماني، أن معظم هذه القوى السياسية قد وافقت على محاورة الحكومة، وإذا كان بعضها يرهن الحوار بشروط، فإن حزب المؤتمر الوطني لا يصعب عليه أنه يرد على أي شرط بطريقة ذكية مقنعة قد تحرج الشارط. ترى ماذا سيكون أقسى شرط يمكن أن يُودعه حزب ما على منضدة الحوار قبل انطلاقه أو بعد انطلاقه؟! هل سيكون مثلاً محاصصة في السلطة مثل التي كسبتها الحركة الشعبية وفق اتفاقية نيفاشا؟! لعل مثل هذا الشرط يصلح أن يكون أمنية للحكومة حتى تتحمل لكل القوى السياسية وليس المؤتمر الوطني. وإن شئت قل الحركة الإسلامية وحدها ما يعتبره المجتمع الدولي المجحف مسؤوليات الحكومة السودانية حول أوضاع حقوق الإنسان. وهنا نسأل: هل يرفض الحزب الشيوعي وحزب البعث «طريح الفراش السياسي» وغيرهما قوى أخرى بعضها يحمل السلاح، هل يرفضون الحوار مع الحكومة لأنهم يظنون إنه مخرجها من مأزق دولي، ولن تكون هي أذكى منهم؟! هي حسابات سياسية، تقول إن وجود حزب المؤتمر الوطني في الحكومة لوحده أفضل لهم من أن يكونوا كمعارضين شركاء فيها، حتى لا يحسم مشكلاته على الصعيد الدولي، ويمكن أن تكون هذه الفكرة قادمة من الخارج، إذا لم تكن أحزاب المعارضة الرافضة للحوار بهذا الذكاء السياسي. والملاحظ في هذه القراءة أن فائدة الحوار للحكومة من أحزاب ترفضه الآن كما أشرت إليها هنا لا تسمن ولا تغني من جوع على الصعيد الداخلي، باعتبار أنها أحزاب لا تنمو في المناخ السياسي في السودان، فالحزب الشيوعي يحتاج إلى مجتمعات غير متدينة بخلاف المجتمع السوداني الذي ارتفعت وسط شبابه درجة التدين في غضون نصف قرن إلى مستوى عال، وهو أمر في غير صالح العمل المنهجي للاستقطاب الشيوعي وحزب البعث «العربي» الاشتراكي، والحزب الناصري.
أما على الصعيد الخارجي، فإن وجود مثل هذه الأحزاب اليسارية الإقليمية في موقع معارضة الحكومة «الإسلامية» في الخرطوم ذريعة تستفيد منها القوى الأجنبية في التآمر على البلاد تحت غطاء القانون الدولي. فهي يمكن أن تصلح «بوق» لمشروعات التآمر الأجنبية باعتبارها تيارات وطنية، وباعتبارها بديلاً لنظام القوى الإسلامية المتحدة «مستقبلاً» وهي إضافة إلى الحركة الإسلامية حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي.. وهناك دعامة دعوية كبيرة ذات أثر بالغ في الشارع السوداني تزداد يوماً بعد يوم على حساب القوى العلمانية، هذه الدعامة الدعوية متمثلة في جماعة أنصار السنة المحمدية وما يشابهها ومن يشابهها من حيث المنهج الدعوي والمفاهيم التجديدية. فقد ملَّت هذه الأجيال الجديدة حكاية الانتماء لأحزاب قائمة على أفكار صاغها في مرحلة تاريخية معينة ووسط ظروف معينة بعض الملحدين والصليبيين. ولا أدري ما الذي يمنع أن يكون بعض السودانيين وبالذات بروفيسورات الفلسفة والاقتصاد والتاريخ والعلوم السياسية من أن يقدموا للإنسانية نظريات للحكم أفضل وأعمق وأكثر واقعية من نظريات ماركس وجان جاك روسو وباكونين وبرودون وأرسطو وسقراط على سبيل الحصر؟! أو لماذا لا يقارنون بين نظام الإسلام «الكتاب والسنة» ونظريات غيره في الحكم؟!
المهم في الأمر هو أن موضوع الحوار مع الحكومة أمر لا يفيد كل القوى السياسية في الساحة، فهل يسر القوى الرافضة له أن يكون الحوار بينها والحكومة بواسطة طرف ثالث على طريقة التفاوض مع المتمردين؟! هل فكرت هي في ذلك؟!. يبدو ذلك. وليكن
صحيفة الإنتباهة
ع.ش