وأنا لا أريد أن أتطرق لما جاء في اللقاء من قضايا وأحداث خطيرة، ولكن سأتعرض لمحور واحد منها وهو محور الفتوحات الإسلامية الذي طعن فيه أبو قرون ووصفه بأنه احتلال عربي أو استعمار، وهذا التشكيك بلا شك يعد طعناً في الدين وطعناً في عالمية رسالة الإسلام وهيمنتها على الرسالات الأخرى يقول تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ» (سورة الأنبياء: 107)، ويقول الله عز وجل «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» (سورة آل عمران: 3)، وهذا ما علمه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك خرجوا إلى الأمصار والبلاد يبلغون دعوة الله عز وجل، حتى أن الصحابي الجليل ربعي بن عامر يقول في توضيح جهاد المسلمين لرستم ملك الفرس: «إنَّ الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله، قالوا: وما موعود الله؟ قال الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي«البداية والنهاية،ج7، ص39»، وهذا ما جاء ذكره في القرآن؛ يقول تعالى: و«َقَاتِلُوهُ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِين»(سورة البقرة: 193)، وقد قال ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: «أمر الله تعالى بقِتال الكفَّار حتَّى لا تكون فتنة؛ أي: شركاً، قال ابن عبَّاس وأبو العالية ومُجاهد،.. ويكون الدين لله؛ أي: يكون دين الله هو الظَّاهر على سائر الأديان». ويتضح من ذلك أن الحكمة من الجهاد والقتال لم يكن الهدف منه الاستعمار وما يترتب عليه من قهر للشعوب وأطماع مادية كما يدعي النيل أبو قرون الذي استدل على ذلك بقول الله تعالى «وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ» (سورة البقرة:190)، وقوله تعالى«لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (سورة البقرة: 256)، ولكن تفسير الآية لا تسعفه يقول السعدي في تفسيره«92» «هذا بيان لكمال هذا الدّين الإسلامي، وأنَّه لكمال براهينه واتِّضاح آياته، وكونه هو دينَ العقل والعِلْم، ودين الفطْرة والحِكْمة، ودين الصَّلاح والإصْلاح، ودين الحقّ والرشْد، فلِكمالِه وقبول الفِطَر له لا يَحتاج إلى الإكْراه عليه؛ لأنَّ الإكراه إنَّما يقع على ما تنفر عنه القلوب ويتنافَى مع الحقيقة والحقّ، أو لِما تخفى براهينُه وآياته، وإلاَّ فمَن جاءه هذا الدين وردَّه ولم يقبلْه فإنه لعناده؛ فإنَّه قد تبيَّن الرُّشد من الغيّ، فلم يبقَ لأحد عذرٌ ولا حجَّة إذا ردَّه ولم يقبله» وهل كانت الفتوحات الإسلامية إلا من أجل ذلك؟
إن ما قاله أبو قرون ليس بجديد وإنما قال به المستشرقون من قبل من أمثال فيليب حتى حيث جاء في كتابه«تاريخ العرب» (ج1، ص195). حينما تحدث عن الفتوحات الإسلامية بقوله: «فليست الأثرة الدينية ما حدا بالعرب إلى تدويخ الدول، وفتح الأمصار إنما هي الحاجة المادية التي دفعت بمعاشر البدو، وأكثر جيوش الفتح منهم إلى ما وراء تخوم البادية الفقراء إلى مواطن الخصب في بلدان الشمال، ولئن كانت الآخرة أو شوق البعض إلى جنة النعيم قد حبب لهم حومة الوغى فإن ابتغاء الكثيرين حياة الهناء والبذخ في أحضان المدنية التي ازدهر بها الهلال الخصيب كان الدافع الذي حبب لهم القتال» فهكذا يكون النيل أبو قرون قد انطلق من ذات فهم المستشرقين يردد تخرصاتهم كالببغاء، وما كنا نريده أن يتورط فيما تورط فيه هؤلاء المستشرقون وهو الذي يعد أماماً من أئمة التصوف!! وبهذه المناسبة لماذا سكت المتصوفة عن هذه الأفكار والضلالات التي يروج لها من خلال كتبه وعبر وسائل الإعلام؟، وما رأي محبيه ومريديه منها؟! فهذه الأفكار لا تقل خطورة من الرسوم الكاريكاتيرية التي أساءت للإسلام وأهله،! ويا ليته حذا حذو المستشرقين المنصفين الذين وصفوا تلك الفتوحات بأنها مشاعل نور ومنارات هدى كما قال غوستاف لوبون في كتابه«حضارة الغرب» ترجمة عادل زعيتر،(ص13)،: «لو أن العرب استولوا على فرنسا إذن لصارت باريس مثل قرطبة في إسبانيا مركزاً للحضارة والعلم، حيث كان رجل الشارع فيها يكتب ويقرأ بل ويقرض الشعر أحياناً، في الوقت الذي كان فيه ملوك أوروبا لا يعرفون كتابه أسمائهم» وبشهادة هذا المستشرق العاقل فإن الفتوحات الإسلامية لم تكن احتلالاً أو استعماراً عربياً ولو كانت كذلك لكانت ثلاث أرباع دول إفريقيا وأندونيسيا وماليزيا دولاً عربية!! ولكن ذلك لم يحدث ونحن بدورنا نتحدى أبو قرون أن يأتي بدليل واحد يثبت فيه أن العرب مستعمرون وليسوا دعاة للإسلام وحماة له؟!
إن الفتوحات الإسلامية كانت عامل استقرار وأمن للشعوب مما ساهم في انتشار الإسلام والدخول في دين الله أفواج بعيداً عن صليل السيوف، وقعقعة الرماح، فإذا ما قارنا ذلك بما كانت عليه المسيحية في حروبها ضد المسلمين، ومطاردتها للمؤمنين؟ لرأينا البون شاسعاً، فالتاريخ لم يعرف جرائم تعرضت لها البشرية مثل ما تعرض لها المسلمون بعد سقوط دولتهم في الأندلس من مجازر وهتك للأعراض كشف عن مدى حقد ودموية أعداء الإسلام الذين لم يراعوا ما كفله لهم المسلمون أيام حكمهم من عيش رغيد وعدالة ناجزه تتفق مع قيم الإسلام وسماحته، ولكن أعمتهم الكراهية فعقدوا محاكم التفتيش التي كانوا يفتخرون بها حتى أن العالم البرتغالي: فرانسوا ده ما سيدو قال: «إن محاكم التفتيش قد نشأت في السماء قبل أن توجد الأرض والله سبحانه وتعالى هو الذي قام بوظائف أول محكمة للتفتيش.. ألخ» (الدعوة والدعاة، محمد الغزالي، ط:2،ص157).
وفي ختام هذا المقال ادعوا النيل أبو قرون إلى التوبة والرجوع عن تلك الأفكار الضالة، كما ندعو الحكومة إلى الدفاع عن ثوابت الأمة وعدم الطعن فيها، ومساءلة كل من يشكك فيها ليكون عبرة للآخرين.
صحيفة الإنتباهة
[/JUSTIFY]