لدي مخزون هائل من القصاصات تعود الى عصر ما قبل الإنترنت، وككاتب مقال يومي فإن تلك القصاصات هي مؤونتي وذخيرتي (وخاصة عندما أكون في إجازة كما هو حالي في هذه اللحظة)، ووجدت في إحداها خبرا جعلني أحسد الفلسطيني صبري العقبي المدرس في ثانوية النقب على حصوله على رقم متميز لهاتفه الجوال، ليس لأنني من هواة ذلك النوع من الأرقام، فقد عملت لسنوات طويلة في شركة اتصالات قطر، وكان بإمكاني ان امتلك رقم هاتف من شاكلة 30303030 ولكنني اكتفيت بأرقام خصصها لي الكمبيوتر عشوائيا،.. ما مصلحتي في ان يكون رقم هاتفي سهل الحفظ للآخرين؟ أي رقم يخصص لي سأحفظه رغم انفي وأنوف الذين خلفوني، فمالي أنا ومن يريدون إزعاجي باتصالات معظمها من باب «وش علومك، وكيف حال العيال»؟ و«وش علومك« الخليجية هذه ما زالت تحيرني لأن المقصود منها السؤال عن «الأحوال»، ولا أفهم الصلة بين «العلوم» و«الأحوال».. هل لأنني «أدبي»؟ جائز!! وقد يكون السائل يجهل ما إذا كان لي عيال أو ما إذا كنت متزوجا أصلا! الأستاذ العقبي لديه نفس رقم الهاتف الجوال الذي يخص الوزير الفلسطيني ياسر عبد ربه المسؤول عن ملف المفاوضات مع اسرائيل وشغل ومازال العديد من المناصب التنفيذية في السلطة الفلسطينية، والسر في ذلك انهما يشتركان في الخدمة، من خلال شركتي اتصالات مختلفتين، وأصبح العقبي يتلقى اتصالات من رؤساء ودول ووزراء وسفراء وصحفيين يسألونه عن خريطة الطريق وعملية السلام القيصرية!! ويبدو ان صاحبنا هذا «مش وش نعمة»، بدليل انه يبلغ كل من يتصل به انه ليس ياسر عبد ربه وأنه «حتة مدرس» لا راح ولا جاء!! تخيل لو ان المقادير جعلت لأبي الجعافر رقم هاتف مطابق تماما لرقم هاتف وزير! كنت سويت البدع، فلو كنت مكان العقبي لقلت مثلا لمن يسألني عن مسيرة السلام: لا كلام ولا سلام طالما نتنياهو الملعون الخسيس الدردبيس شبيه إبليس الذي ينطح في كل الاتجاهات كالتيس وأسأل الله ان يروح فطيس، موجود على وجه الأرض.. اكتبوا على لساني: داهية تأخد اوسلو وطوكيو وريال مدريد!! وتكتب الصحف: السلطة الفلسطينية تنفض يدها عن اتفاقات السلام بأثر رجعي!! عبد ربه يمسح بنتنياهو الأرض، وإسرائيل تطلب وساطة حزب الله وإيران!
أو تخيل انك اشتركت في نفس رقم الهاتف عبر شبكتين منفصلتين مع وزير في أي بلد عربي، وتأتيك مكالمة عن طريق الخطأ: سمعت يا صاحب السعادة إنكم سترسون المناقصة على شركة التيس الذهبي، وأنت عارف أننا لو ما فزنا بالمناقصة سنتبهدل في المحاكم ونتعرض للتصفية!! هنا تتنحنح وتعتذر لأنك مصاب بالتهاب في الحلق (من باب الاحتياط لأنه ربما يستطيع تمييز صوت صاحب السعادة بسهولة) ثم تقول له: ما عليك،.. حط 500 ألف دولار، بأرقام غير متسلسلة في مظروف وانتظر في مقهى «السفاسف» وسيمر عليك مندوب لأخذ المظروف واعتبر المناقصة في جيبك!! ولكن ربما تكون المناقصة كحيانة فيحتج محدثك بان مبلغ 500 ألف دولار «كثير»، هناك عليك ان تكون حاضر البديهة وتقول: سوري، أنا قصدي 50 ألف!! وبإمكانك ان تبادر أنت بالاتصال بالجهات التي تعرف سلفا أنها تعرف رقم الوزير، وتطلب منها أشياء مثل: سيأتيكم شاب من طرفي وأريد منكم ان تعينوه مدير إدارة المخازن فيردون عليك بان المخازن قسم صغير وليس «إدارة» فتقول: خلاص خلوها إدارة وخلوه مدير!! يعني بدلا من أن يسعى الناس الى الحصول على أرقام مميزة لهواتفهم بقصد الفشخرة والتباهي، عليهم ان يسعوا الى الحصول على أرقام تتطابق الى حد كبير مع أرقام هواتف كبار المسؤولين فتصبح أمورهم سالكة «مما جميعه»!
[/JUSTIFY]
جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]