{ أما المؤتمر الشعبي فهو الآن يذهب إلى الحوار بحجة سياسية جيدة، هي أن مرحلة ما بعد ثورات الربيع في بعض الدول العربية أصبحت فيها الأوضاع الأمنية ذات ملامح (صوملة)، مثل هذه الحجة جاءت مرفقة مع التهيؤ للحوار مع الحكومة. فهل نقول إذن إن حزب الترابي تراجع عن اقتباس الربيع العربي في السودان تفادياً لمصير غير محمود العواقب؟! لكن مفكراً سياسياً معروفاً هو البروفيسور حسن مكي يقول إنه ليس أمام الترابي غير الحوار مع الوطني. ومع ذلك يقول الحزب على لسان أمينه السياسي إنهم ملتزمون بمقررات التحالف المعارض ولن يتخلوا عنها. وكأنه يريد أن يختبر الحزب الحاكم، فإذا رضخ للشروط مثلاً وأوفى وبذلك لم يدع فرصة لفشل الحوار، فإن التعاون حول القضايا الوطنية سيستمر، لكن إذا ما حدث خلاف ذلك فهو يقول إن مبدأ إسقاط النظام في «الجيب».
إذن حزبا الأمة القومي والمؤتمر الشعبي يريدان التمدد بين منطقتي الحكومة والمعارضة. فيريان أن ميلهما كل الميل إلى منطقة دون الأخرى ليس مناسباً، فمنطقة المعارضة وحدها تفوِّت عليهما مكاسب كثيرة تسيل لها اللعاب. ومنطقة الحكومة وحدها تعني الحاق خسارة أدبية كبيرة لهما، وتعني إزالة القيمة السياسية المتمثلة في استدرار عواطف بعض الجماهير، حينما ينتقدان النظام ووضع الحريات والمستوى المعيشي، والحالة الاقتصادية.
ثم إن الانتفاضة التي يتحدث عنها حزب الأمة القومي ووفده يذهب برئاسة السيد الصادق المهدي للقاء البشير، فهذه الانتفاضة إذا كان قائدها هو الصادق نفسه فهي إذن انتفاضة ضد المعارضة وليس الحكومة. إنها انتفاضة الحوار مع الحكومة. وضاع ربع قرن من الزمان، لو كان هذا الحوار قد بدأ قبل سنوات أي قبل عقدين مثلاً، أي في عام 1994م كان أفضل، لكن قراءة السيد الصادق لمستقبل التطورات لم يكن قوياً، فقد راهن على تصورات ليست واقعية. وحتى المجتمع الدولي في نظرته إلى أي مشروع سياسي إسلامي لا يفرق بين ثلاثة قوى سياسية في السودان، وهي التي حازت على المراتب الثلاث الاولى في الانتخابات، وهي حزب الامة القومي والحزب الاتحادي الديمقراطي والجبهة الإسلامية القومية. وبالنسبة للأول فهو يتكئ ولو صورياً على إرث الدولة المهدية التي قتل قادتها غردون باشا، وبالنسبة للاتحادي الديمقراطي فلا أظن أن كبار الساسة في الغرب تفوت عليهم وثيقة الأزهري لمشروع الدستور الإسلامي، حتى ولو كانت شفهية، خاصة أنها جاءت في وقت سيطرة اليسار الى حد كبير على الأجواء السياسية، رغم حجم ووزن حزبي آل المهدي والاتحاديين. والغرب لا بد انه درس تماماً لماذا كان فشل انقلاب الشيوعيين بعد اثنتين وسبعين ساعة، ولك أن تتخيل كيف يفكرون في مصدر الشجاعة التي كفلت للرئيس نميري إعلان تطبيق القوانين الإسلامية بدلاً من القوانين الغربية الموروثة من الاحتلال البريطاني. ولم يقرأ الصادق جيداً كما قرأ الغرب وأضاع عشرين عاماً. لقد جاء الحوار متأخراً جداً. فماذا كانت قيمة استمرار معارضة حكومة بكل هذا الذكاء رغم كل شيء؟!
صحيفة الإنتباهة