المفوضية القومية للانتخابات وما حدث فيها من تجاوزات والهيئة القومية للغابات وما وقع فيها من مخالفات، سودانير والفساد الذي يذكر عليها ليل نهار، الضرر الذي وقع على العاملين في تلفزيون السودان والتجاوزات التي قيلت، هي بعض مواضيع وقضايا طرحها الإعلام، لكننا لن نلوم وزارة معينة أو مؤسسة حكومية أنها لم تحاول مجرد محاولة التقصي والتأكد إن كانت هذه التجاوزات حقيقية أو مفتعلة، فلا قانون يسمح لها بذلك، ولكننا نسأل ألم تحرك هذه القضايا ساكنا لدى الولاة والمسئولين والوزراء لإيجاد آلية أو جهة تحقق فيما نشر من تلقاء نفسها؟!
في معظم الدول الغربية يباشر المدعي العام التحقيق في قضايا الفساد والتجاوزات من تلقاء نفسه، وبحكم منصبه على أساس المعلومات المقدمة له والتي يستقيها من أي مصدر كان، في حين اتجهت بعض الدول إلى الحد من سلطات المدعي العام فلا يجوز أن يباشر التحقيق من تلقاء نفسه، إنما ينتظر ما يأتيه من بلاغات.
في مصر مثلا، هناك الجهاز المركزي للمحاسبات يتحقق من القضايا ويسلم نتائج تحرياته إلى رئاسة الجمهورية، وفي دول أخرى تكون مثل هذه المؤسسات مستقلة، لا تتبع لأحد، لديها كافة الصلاحيات والآلية للتحري والتحقق.. أما في السودان فكانت هناك مفوضية تسمى مفوضية مكافحة الفساد، لم تتمكن من متابعة قضية فساد واحدة منشورة في الصحف فما بالك إن لم تحاول التحري من تلقاء نفسها أو عبر مصادرها الخاصة دعك من أن تحارب فسادا أو تكافحه!!
لكن يا سادتي ، المشكلة أن القضايا التي نعنيها الآن لم تعد متعلقة بالفساد في المؤسسات أو الهيئات التابعة للحكومة إنما تطورت لفساد مجتمعي لا دخل للحكومة به.
صرخة أطلقتها الزميلة نسرين نمر في قناة النيل الأزرق عن إنضاج الفواكه والخضروات بمواد كيماوية في السوق المركزي وما تسببه من أضرار عديدة، غير أن القضية انتهت مع انتهاء الحلقة.!!
أدوية مغشوشة أو فاسدة، دخلت البلاد، يكشف أحد الكتاب هذا التجاوز وينتهي به الأمر في النيابة للاستجواب، وأكثر ما ينجز في الموضوع لجان بائسة تُشكل، قد تنتهي من تحقيقاتها بعد أعوام.!
يسألني يوميا المتضررون من قضية التسويق الشبكي عن أموالهم الضائعة وإن كانت هناك وعود بإعادة المتهم الذي اختلس أموالهم وغادر خارج السودان والتي نشرت (السوداني) قصتهم، فأستحي أن أجيبهم أن دورنا انتهى مع النشر..
من المحزن حقا أن يطرح الإعلام قضايا مظالم وتجاوزات وفساد، لا تجد أدنى درجات الاهتمام من الدولة ومجالسها المتعددة، ولا يتعدى أثرها سوى تصريحات مثيرة بارزة تنشر في “مينشيتات” الصحف .. متى ستعين الدولة رقيبا عاما، أو جهازا مستقلا، أو آلية حقيقية، تتابع ما يقال ويكتب وتتأكد منه؟؟
أحد ولاة السودان، تنشر بين فينة وأخرى قضايا تجاوزات قوية في ولايته، لكنه لا يحرك ساكنا، وفي المرة الوحيدة التي كتبت إحدى الصحف أنه تعرض لإغماءة مفاجئة، تحركت نيابة الصحافة والمطبوعات بمدني إلى الخرطوم لتلقي القبض على الصحفية فاطمة رابح بتهمة نشر خبر عن مرض والي الولاية، وأثناء التحقيق ذكر لها المتحرون أن الوالي طلب الكشف عن مصدر الخبر أو دفع مبلغ مليار جنيه تعويض.!
إنهم يقرأون ويتحركون، لكن انظروا إلى ما يذهبون؟!!
صحيفة السوداني
[/JUSTIFY]