وعقد المسؤولون في دول الخليج عدة اجتماعات لهذا الغرض، كان آخرها، اجتماع عُقد على مستوى خبراء وزارات العدل والخارجية في دول المجلس، وأنهى أعماله أمس الاثنين في الرياض، بهدف تنسيق المواقف بشأن الاستعراض للدول الأطراف في نظام المحكمة الجنائية الدولية.
وكشف مصدر قانوني في أمانة دول مجلس التعاون الخليجي لـ«الشرق الأوسط»، عن وجود اجتماع مرتقب لوزراء العدل الخليجيين للبحث في تنسيق مواقف دولهم إزاء الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية من عدمه.
ويتبين من خلال وثيقة تمت مناقشتها خلال اليومين الماضيين في الرياض، اقتراب الدول الخليجية الست (السعودية، قطر، البحرين، الكويت، الإمارات، وعمان)، من الموافقة على الانضمام لعضوية المحكمة الدولية.
لكن الدول الخليجية، تتخوف من تطويع ممارسات هذه المحكمة، للمصالح السياسية والمجاملات الدولية.
وقال لـ«الشرق الأوسط» فاروق النوري المستشار القانوني لأمين عام مجلس التعاون الخليجي، إن اجتماعات الدول الخليجية الخاصة ببحث الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، تهدف لخلق آلية للتنسيق بين دول مجلس التعاون في كيفية اتخاذ الإجراءات المطلوبة حيال مسألة المحكمة الدولية، بالانضمام من عدمه. ولفت إلى أن الموضوع جارٍ النظر فيه الآن.
وتحدث النوري، الذي كان يرأس سابقاً الإدارة القانونية في أمانة مجلس التعاون الخليجي، عن أن القرار الأخير حيال موضوع المحكمة الدولية، سيُتخذ بعد عدة اجتماعات، منها اجتماع مقبل لوزراء العدل الخليجيين، حيث سيتم العرض عليهم بهذا الشأن.
وطبقاً للوثيقة التي اطلعت «الشرق الأوسط» عليها، فإن الدول الخليجية، أبدت 8 ملاحظات وتحفظات قانونية وسياسية على نظام المحكمة الجنائية الدولية، بالرغم من اقتناع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بفكرة وجود قضاء جنائي دولي، كون أن عدداً من الدول العربية، تعرّض على مدار العقود والسنوات الماضية إلى أعمال عدوانية.
وتتخوف الدول الخليجية، من أن تستخدم اختصاصات المحكمة كأداة سياسية للدول العظمى ضد الدول الأخرى، بما في ذلك إمكانية استهداف رؤساء الدول. ولمجلس الأمن الدولي صلاحية في إحالة الأوضاع المعروضة عليه إلى المحكمة الدولية. هذا الأمر طبقاً للوثيقة – يثير مخاوف بعض الدول من أن يعرقل من ممارسة المحكمة لاختصاصاتها، وتطويع ذلك طبقاً للمصالح السياسية والمجاملات الدولية.
وتتخوف الدول العربية، من تدخل عنصر السياسة في تغليب بعض الاعتبارات المشككة بمقدرة القضاء الوطني على محاكمة المخالفين.
وتبدي مجموعة من الدول، طبقاً للوثيقة، مخاوف من مخاطر تسييس وظيفة المدعي العام، خاصة وأنه قد مُنح سلطات واسعة؛ مثل: تدخله في إجراءات التحقيق بإقليم الدول الطرف والقيام بها من تلقاء نفسه، سلطة إجراء التحقيقات في موقع أو مكان معين، حقه في استقاء المعلومات من مصادر مختلفة مثل المنظمات غير الحكومية، وما يمكن أن يمثله ذلك من وجهة نظر بعض الدول من تدخل في سيادة الدولة القضائية.
ومعلوم بأن دول مجلس التعاون الخليجي، قد شاركت في مؤتمر روما الدبلوماسي، الذي رُسمت فيه ملامح نظام المحكمة الجنائية الدولية.
وبالرغم من التحفظات التي أبدتها دول المجلس على نظام المحكمة الدولية، غير أنها رصدت مقابل ذلك قرابة الـ14 إيجابية، منها ما هو سياسي وآخر قانوني، إذ سيؤكد انضمام الدول الخليجية، استناداً إلى نقاشات خبراء وزارتي العدل والخارجية لدول الخليج، اهتمام دولهم بتعزيز وإرساء السلم والأمن الدوليين من خلال تطبيق مبدأ العدالة بما يحقق ويضمن استقرار الدول وحماية الشعوب ومعاقبة مرتكبي الجرائم الخطيرة ضد البشرية.
وسيمكّن الانضمام إلى المحكمة الدولية، دول الخليج بمعية غيرها من الدول ، من الحيلولة دون إدخال تعديلات جوهرية على النظام الأساسي للمحكمة، تتعارض مع الثوابت الدينية والاجتماعية لدول المجلس خصوصاً، والدول العربية والإسلامية عموماً.
وترى الدول الخليجية، بأن العزوف عن عضوية المحكمة الدولية، لم يعد فاعلا، وخصوصا بأنها ليس لديها ما تخشاه، كونها ليست من قبيل الدول التي تنتشر فيها ظاهرة الجرائم التي تدخل في اختصاصات المحكمة.
واعتبرت الوثيقة، بأن دخول دول مجلس التعاون لعضوية المحكمة الجنائية الدولية، سيكون مساهماً قوياً في تعزيز التعاون الإقليمي والدولي وملاحقة مرتكبي جرائم الحرب.
وحتى تاريخ 22 فبراير (شباط) الجاري، قامت 108 دول بالتصديق من أصل 139 دولة وقعت على نظام المحكمة الدولية. ويتيح انضمام دول مجلس التعاون الخليجي إلى المحكمة الدولية، دعم مشروع التعديل المقدم للمؤتمر الاستعراضي بشأن تعريف جريمة العدوان وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3314/1974، والتقليص قدر الإمكان من الخيارات التي تجعل ولاية المحكمة الجنائية الدولية حيال جريمة العدوان رهناً بقرار من مجلس الأمن الدولي على نحو ينتقص من استقلال المحكمة.
ولطالما سعت الدول العربية إلى بلوغ هدف التأطير القانوني لملاحقة المسؤولين عن جرائم العدوان، ودعم ولاية المحكمة الجنائية الدولية حيالها.
ويحقق الانضمام إلى المحكمة الدولية، تحصيناً قانونياً للدول الأطراف في مواجهة الجرائم التي قد ترتكب في مواجهتها، وضمان ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم أمام المحكمة وضمان عدم إفلاتهم من العقاب. وطبقاً للوثيقة، فإنه في حالة انضمام دول المجلس الخليجي للمحكمة، فإن ذلك سيسهم في تأهيل الأجهزة القضائية بما يتلاءم مع التطور العالمي في نظام العدالة، بما في ذلك ممارسة دول المجلس للولاية القضائية على أنواع متعددة من القضايا الخاصة بجرائم الحرب.
وتبعاً للانضمام لعضوية المحكمة الجنائية الدولية، فسيتم تحديث التشريعات الوطنية، بإدراج الجرائم الواردة في نظام المحكمة، ضمن القوانين الجزائية «الجنائية»، وتعديل القوانين الوطنية بما يتفق والتطور العالمي في هذا الشأن، لجانب المساعدة في تأهيل الكوادر القضائية والقانونية من خلال تبادل الخبرات والمهارات الناشئة من ممارسة أعمال المحكمة.
الرياض: تركي الصهيل :الشرق الاوسط [/ALIGN]