وكنت قبل سنوات في زيارة الى بيروت للمشاركة في برنامج تلفزيوني لقناة إم بي سي وكانت تجلس الى جواري الممثلة الكويتية الضحوكة سعاد العبدالله وكان الحر في الاستوديو لا يطاق، وطلبت مناديل ورق او فوطة، ولكنهم أوكلوا الأمر لفتاة ناهدة الثديين من الفصيلة التي كان يهيم بها امروء القيس ولما مالت نحوي لتجفف العرق عن جبهتي: صاحت فيها سعاد: يا بنت الناس وخري عن الريال.. هو شافكم ونزف عرق فاتركيه في حاله.. همهمت في سري: حاقدة!!).. المهم يا جماعة ان نتائج الدراسة منطقية: فمن يسير على قدميه الى المدرسة يمارس قدرا طيبا من الرياضة يجعله نشيطا، وكان ابو الجعافر في المرحلة الابتدائية يسير مسافة يجوز فيها قصر الصلاة كي يصل الى المدرسة، وهذا يفسر كيف ان هذا الفتى (إلى متى فتى؟) الذي لم ير الكهرباء بالعين المجردة، حتى بلغ الخامسة عشرة، نجح في الدخول الى الجامعة، مجتازا امتحان الفيزياء الذي كان نصف مقرره عن الكهرباء التي سمع بها ودرسها، من دون ان يراها او يتعامل معها!! ولكن نقطة ضعف تلك الدراسة تتجلى في ان ابو الجعافر كان عاجزا تماما عن فهم مبادئ علم الحساب، رغم ان حصة ذلك العلم السخيف كانت الأولى دائما، وكان ابو الجعافر يصل الى المدرسة راجلا ويجلس أمام مدرس الحساب حائرا حيرة العرب إزاء العولمة، ويبدو لي ان نكسة ابو الجعافر الحسابية مردها ان خاله أهدى إليه حمارا ليذهب به الى المدرسة، وكان ذلك الحمار على درجة عالية من الحمورية، وعنيدا ولا يستطيع السير في خط مستقيم، ولكن حب البرجزة أي الانتماء الى البرجوازية النوبية، هو الذي جعلني أتمسك به لبضعة اشهر، حتى أصبح استيعابي لمادة الحساب حموريا، ومن حسن حظي انه مات وهو في عز الشباب، وإلا لكان ابو الجعافر اليوم جرسونا في ذات مطعم، (أهلي النوبيون مشهود لهم بالكفاءة في الطبخ وخدمات الطعام عموما) خاصة وان والده كان يعتقد ان الإفراط في التعليم يفسد الأخلاق.
وارى كل صباح تلاميذ آخر الزمان يتوجهون الى المدارس على صهوة حمير معدنية ألمانية ويابانية وامريكية فارهة، فأكاد انفجر من الغيظ والحسد ثم أحاور بعضهم فاكتشف انهم لم يغادروا الأمية كثيرا، وان جل ثقافتهم مستمد من المعلبات، ويعرفون اللبن المبستر ولا يعرفون باستير ويعرفون تفاح تشيلي ولا يعرفون نيوتن، ويعرفون رزان مغربي ولا يعرفون جعفر العبسي.. فينقلب الحسد عندي الى رثاء وأحن الى حماري الحمار!!
زاوية غائمة
jafabbas19@gmail.com