هي أم المؤمنين رملة بنت أبي سفيان ، صخر بن حرب بن أمية القرشية .. وهي بنت عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وليس من أزواجه من هي أقرب إليه نسباً منها .
وُلدت قبل الإسلام ، ونشأت في بيت نعمة وترف ولهو ، فأبوها زعيم مكة وسيّد بني أمية ؛ سفيان بن حرب ، وقد جمَعت رملة إلى رفعة النسب والحسب ؛ الغنى الوافر والجمال الباهر ، وتنافس عليها خيرة الشباب من قريش ، كلهم يريد أن يتزوجها ، وتزوجها عُبيدالله بن جحش ، وكان شاباً مرموقاً يتمتع بالوسامة والجاه العريض والحسب الرفيع ، وقد أسلم وأسلمت معه رملة ، بينما ظل أبوها وعشيرتها على الكفر ، ولم يستطع أحد أن يثنيها عن عزمها لتترك دينها ، بل أظهرت قوة الإرادة وصلابة العزيمة وأسلمت وجهها لله رب العالمين .
هاجرت إلى الحبشة مع من هاجروا من المسلمين فراراً بدينهم من الأذى ، وقد كانت حاملاً مثقلاً بجنينها ، وتحمّلت مشقة السفر وتركت مكة وأبوها يكاد يجن ويتميّز غيظاً بعد ما أسلمت ابنته وليس له إليها من سبيل ، وفي المهجر وضعت وليدتها حبيبة ، فأصبحت يُقال لها أم حبيبة ، ومضت الأيام ولم تدم سعادتها طويلاً ، فقد حدث لها ما لم يكن في الحسبان .. كانت أم حبيبة تتمنى أن تجد في زوجها تعويضاً عن أهلها وعشيرتها ، ولكن حدث مالم يكن في الحسبان ، فقد رأت في النوم عُبيد الله بن جحش زوجها بأسوأ صورة وأشوهها ، ففزعت ، ولما أصبح الصباح دعاها وقال لها إنّه ارتد عن الإسلام ودخل النصرانية ، ففزعت من قوله وحاولت إثناءه لكنه أكبّ على شرب الخمر ، لتعيش أم حبيبة فترة عصيبة من عمرها ، فإما أن تستجيب لزوجها الذي ظلّ يدعوها للتنصر والإرتداد عن الإسلام أو أن تعود إلى أبيها وهو ما زال على الكفر وتعيش معه مقهورة مغلوبة على دينها ، أو أن تبقى في الحبشة وحيدة شريدة لا أهل لها ولا وطن ولا مُعين ، وطفلتها بين يديها ما زالت في المهد صغيرة ، واستعانت بالله وقررت البقاء في الحبشة حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً ، وفوّضت أمرها لله تعالى ، فتخطت تلك الفترة العصيبة من حياتها بإيمانها العميق وصدق توكلها على الله سبحانه وتعالى وجميل صبرها وثباتها على الحق ، ولو لم تصبر على هذا الموقف لما أصبحت فيما بعد أماً من أمهات المؤمنين ، فأما زوجها فقد مات صريع الخمر وخسر آخرته .
أصاب أم حبيبة الهم والغم ، إلى أن رأت رؤيا أن هناك من يُناديها قائلاً : أم المؤمنين ، ففسرتها أن رسول الله يتزوجها ، وذات يوم سمعت طرقات متلاحقة على بابها ، ولما فتحت وجدت جارية للنجاشي ، وأدخلتها أم حبيبة ، فقالت لها الجارية : إن الملك يقول لك : إن نبي العرب قد أرسل إليك ليخطبك له ، لم تصدّق أم حبيبة ما سمعت وطلبت من الجارية أن تعيد على مسامعها ما قالت عدة مرات حتى إذا تأكدت خلعت سوارين من فضة فقدمتهما هدية إلى الجارية ، وقالت لها : بشّرك الله بخير ، فقالت الجارية : يقول لك الملك وكّلي من يزوّجك ، فأرسلت إلى خالد بن سعيد فوكّلته ،، وهنا تظهر مدى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته حينما أدرك حال هذه الأَمَة المهاجرة التي أرتد زوجها ومات مخموراً تاركاً خلفه هذه الزوجة مع وحيدتها حبيبة ، فأرسل إليها يخطبها ويجعلها في عصمته جبراً لخاطرها وتخفيفاً عنها في مصابها وعزاء لها فيما ابتليت به من مصيبة مؤلمة وفجيعة مؤسفة .
أولم النجاشي لعقد قران أم المؤمنين وأصدقها أربعمائة دينار ، فأكلوا وتفرقوا وأصبحت أم حبيبة أم المؤمنين ، وفي الصباح جاءتها جارية النجاشي تحمل إليها هدايا نساء الملك من بخور وطيب ، فقالت لها أم حبيبة : إني كنت قد أعطيتك سوارين بالأمس وليس بيدي شيء من المال فهذه خمسون مثقالاً فخذيها واستغني بها ، لكن الجارية رفضت ، وردّت السوارين وهي تقول أن الملك أعطاها عطاءاً وفيراً وأمرها بألا تأخذ من أم المؤمنين شيئاً ، وإني قد تبعت دين محمد وأسلمت لله وطلبت من أم المؤمنين أن تُقرأ رسول الله السلام ، وحين عادت أم حبيبة أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت الجارية ، فتبسم رسول الله وقال : { وعليها السلام ورحمة الله } .
عاشت رضي الله عنها مع النبي تنهل من معين القرآن الكريم و حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى أصبحت من أعرف نساء الأمة بالعلم ورواية الحديث ، ومن المُكثرات في رواية الحديث عن رسول الله وقد روت عنه 65 حديثاً ، وتميّزت بالذكاء والفطنة والفصاحة والبلاغة ، وكانت من الصابرات المجاهدات .
لمّا نقضت قريش عهد الحديبية الذي عقدته مع النبي صلى الله عليه وسلم ، قدم أبو سفيان إلى المدينة معتذراً إلى رسول الله وراغباً في تمديد الهدنة فأختار أن يذهب إلى بيت ابنته لتساعده على اقناع الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم السير إلى مكة وفوجئت بأبيها واقفاً أمامها ، نظرت إليه في ذهول ثم وجدته يتقدم إلى ليجلس على فراش رسول الله ، فوثبت أم حبيبة واختطفت الفراش وطوته دونه فاستنكر والدها ذلك وقال : يا بُنيّة ارغبت بهذا الفراش عنّي ؟ أم رغبتِ بي عنه ؟ فأجابته إجابة المعتز بدينه المفتخر بإيمانه : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك فلِم أُحبّ أن تجلس عليه ،، فانصرف من عندها حزيناً مقهوراً ، أمّا هي فقد كان قلبها حزين عليه وتود لو يشرح الله صدر أبيها للإسلام وكان لديها أمل في أن يستجيب للإسلام ، وكانت تدعو له بذلك واستجاب الله دعاءها وأسلم أبو سفيان ونال شرف الصحبة للنبي صلى الله عليه وسلم .
كانت شديدة التمسك بسنة رسول الله وقد روت في ذلك ما قالته عن النبي صلى الله عليه وسلم : ” من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بنى الله له بهن بيت في الجنة ” قالت أم حبيبة : فما تركتهن منذ سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
توفي رسول الله وهو عنها راضٍ ، وعاشت حتى أدركت خلافة أخيها معاوية رضي الله عنه وقد التزمت بيتها عابدة زاهدة ، ولما أحسّت بدنو الأجل أرادت أن ترقد في قبرها طاهرة السريرة وليس في قلبها من أحد شيئاً ولا في قلب أحد منها شيء فدعت السيدة عائشة رضي الله عنها وقالت لها : لقد كان بيننا ما يكون بين الضرائر ، فهل لك أن تحللينني من ذلك ؟ فحللتها واستغفرت لها ، وأرسلت إلى أم سلمة رضي الله عنها بمثل ذلك ، دُفنت بالبقيع ، رضي الله عنها وأرضاها .
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]