انتهى هذا الخبر القصير المختصر دون الإفصاح عن الآلية والمنهج الذي يمكن أن تستند إليه تلك اللجنة لجعل الخرطوم عاصمة بهية منظمة ففهمت من سياق الخبر احتمالين لا ثالث لهما فإما أن اللجنة لم تتمكن حتى تاريخ إعداد ذلك الخبر من تحديد آلية معنية أو أن اللجنة لديها منهج وآلية ولا تود الإفصاح عنهما بل تود التكتم على تلك الآلية وذلك المنهج من القضاء على الظواهر السالبة والمخالفات بغتة كما المداهمات التي تحدث في أوكار الجريمة والرذيلة وأحسب أن كلا الاحتمالين لا ينتقص من الهدف السامي الذي تعتزم اللجنة النهوض به ولكن هل هناك إمكانات كافية للقضاء على المخالفات والظواهر السالبة خلال ثلاثة أشهر وهل هذه مدة كافية لجعل العاصمة بهية وذات رونق يسر الناظرين وأي عبقرية تلك التي اختزلت المصائب المتراكمة في أسواق الخرطوم من مخالفات وعادات ضارة وسلوك غير متحضر وباعة متجولين وشماسة وفوضى ثم جمعت كل هذا الشتات في (ربطة جرجير) واحدة ليتم كنسها خلال ثلاثة أشهر!.
ثم ما هي المخالفات بل من هم المخالفون وما هي الظواهر السالبة ومن أين أتت؟ وما هي الجهات التي ترعى هذه الظواهر وتعمل على اتساع دائرة الأضرار الناتجة عنها؟
هذه أسئلة مشروعة وينبغي أن تنظر إليها اللجنة بتمعن لمعرفة العدو الحقيقي الذي تود مواجهته وينبغي أن تعلم هذه اللجنة أن الخرطوم ومنذ سنوات طوال ظلت مستهدفة بهجرة غير مشروعة عجيبة وغريبة في آن واحد فهناك هجرات من الدول التي تحيط بنا مثل إريتريا وإثيوبيا والصومال وتشاد وإفريقيا الوسطى بل هناك مهاجرون من النيجر ونيجيريا وبوركينا فاسو، وقد استقروا جميعاً في الخرطوم وهناك أحياء معروفة لدى الجميع أضحت الآن دويلات داخل ولاية الخرطوم وقد تمكن هؤلاء القوم من اختراق عقلية الإنسان السوداني المسامح وعرفوا من أين تؤكل النفس السودانية التي تستسهل كل شيء وبذلك تملكوا حيازات الأراضي بأطراف الخرطوم وهؤلاء القوم هم أصحاب الظواهر السالبة وتحمل مجموعات منهم أمراض عضال مثل الجذام والجدري ويحيطون بجامع الخرطوم العتيق بينما يتسكع الأشداء منهم من نساء ورجال وصبية في شوارع الخرطوم لممارسة التسول وأكل فضلات الطعام من (مكب النفايات) ولقد شاهدنا العديد من السياح الأجانب يستهدفون هذه الشرائح وتصويرها عبر (الكاميرا) لا لشيء وإنما من باب الإساءة لإنسان هذا الوطن الكريم الأبي.
أما القول أن اللجنة سوف تواجه المخالفات فهذا كلام طيب ولكنه يرمي باللائمة على المخالفين دون أن يشير إلى مسؤولية محليات الولاية لأن معظم المخالفات ناتجة عن جشع هذه المحليات في المزيد من الجبايات وللتدليل على هذه الجزئية طغت على أسواق العاصمة الكبرى فوجدت أن معظم الباعة ممن عناهم القرار الولائي ووصفهم بأنهم السبب الرئيس في الزحام والفوضى، وجدتهم باعة معتمدون لدى محليات الولاية والسبب ببساطة أن كل محلية تريد المزيد من الإيرادات ولو ذهبت في صبيحة يوم الغد لأي محلية وطلبت منها التصديق لك بتربيزة أو محل لبيع الرصيد أو (طبلية) لبيع أي شيء، سوف يمنحونك التصديق في نفس اليوم وهناك اتهام لمتنفذين لديهم تصاديق (مفتوحة) في أسواق اللحوم والخضروات والفواكه وهي تصاديق أعلى من السقف المسموح به في مثل هذه الأسواق وهذا أمر يزيد من الزحام ولا يعين على النظافة أو النظام، وقبل أن أغادر السَّوق صدمني صبي وهو يجر أمامه (درداقة) من النوع الذي ينقلون به البضائع الصغيرة فقلت للباعة الذين كنت أحاورهم ألا تمنع سلطات المحلية هؤلاء الصبية لأنهم من أكثر المساهمين في الجلبة والزحام؟
ضحكوا وهم يقولون بصوت واحد (يا حاج أسكت، الدرداقات دي حقت قرن كبير)!. خرجت من السوق وأنا أعي تماماً ماذا تعني كلمة (قرن) وهي بلغة السوق تعني أن صاحب (الدرداقات) من المتنفذين ومسنود بشيء من السلطة وها هي ناقلاته الكثيرة تجوب الأسواق دون أن يتم تدوينها في قائمة المخالفات، ولا نود بهذه الكلمات إضعاف همة اللجنة العليا لإزالة المخالفات والظواهر السالبة ولكننا نود عبرها ـ أي اللجنة ـ الدفع بمقترح لحكومة الولاية علها تستعين به في هذا العمل الكبير وهو أن تبحث (الخرطوم) عن شراكة عبر (توأمة) مع واحدة من العواصم والمدن ذات التجربة والإمكانات في مجال محاربة الظواهر السالبة والقضاء على المخالفات مثل مدن المملكة العربية السعودية (جدَّة) أو (مكة المكرمة) ومن خلال (التوأمة) مع مثل هذه المدن يمكن الحصول على الآليات والسيارات والاستفادة من الخبرات ولا بأس من تمديد عمر اللجنة لإنجاز مهامها كما ينبغي واللَّه من وراء القصد!.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش