وقد ولدت معطيات الواقع قوة ضغط كافية، كانت محصلتها تحقيق مطلب متفق عليه، كفعل لازم مهما عظمت كلفته، وهو الانخراط في المفاوضات بقلب وعقل مفتوحين ومن دون شروط، خاصة أن الطرفين مضطرين إلى ذلك قصداً وليس قهراً، فالحكومة ـ بحسب وثيقة الوثبة ـ تسعي إلى التفاوض لوضع السلام موضعهُ الذي لا يُعلى عليه عالٍ في منظومة القيم، وبحيث لا تطغىَ دواعٍ وحوافز وأمزجة أصلُها اجتماعي ثقافي، على قيمة أصلها إيماني فكري.. أما قطاع الشمال فقد تأثر بصورة واضحة بالأحداث بالجنوب لفقده الدعم خاصة أن غالبية قادته من مجموعة أولاد قرنق وتواجههم ورطة موالاة سلفا كير الذي انقلب على الجنوبيين منهم، كما أصبح قادة القطاع مشردين بين جوبا وكمبالا ونيروبي.. لذا رتب القطاع للابتعاد تكتيكياً عن دولة الجنوب ـ رغم أن الإستراتيجيات العليا سوف تظل موحدة ـ وهذا بالطبع سوف يجعل من الانخراط في مباحثات مع الجانب الحكومي مطلباً ملحاً في ظل غياب السند والدعم الجنوبي.
لكن.. الموقف لا يتحمل التلاعب والغموض.. لأن ميزان المستقبل أصبح في يد الواقع، والواقع يرُد تفويض ترتيب الجولة المحدد لها يومي 13و14 من شهر فبراير الحالي بأديس أبابا للجنة الاتحاد الافريقي رفيعة المستوى برئاسة ثامبو أمبيكي ولقرار مجلس الأمن رقم (2046)، بجانب تحديد أجندة التفاوض والمتمثلة في مناقشة قضايا المنطقتين الأمنية والسياسية والإنسانية، وليس معقولاً وفي ظل هذه الأجندة أن يضم وفد القطاع خبراء لمخاطبة إعادة هيكلة الدولة في مفاوضات تُعنى في الأساس بمناقشة قضايا محددة، إلا إذا كان الهدف بديهي (بداهة طلوع الشمس وغروبها) وهو سعي القطاع للحصول على تفويض يشمل الوضع السياسي في البلاد كلها.
وأخص أصحاب المصلحة بكلمة، فهم معنيون بإخلاء منبرهم من أثقال طُفيلية وقيود مقعدة، وإن كانوا قد وجدوا في التفاوض نيابة عنهم من غير أبناء المنطقة خصيصة فهذا شأنهم، لكن أن يجعلوا من منبرهم مِنصة للمزايدة على مصالح الآخرين فذلك تسابق مهين لركوب الموج، سوف تكون عاقبته وخيمة وغرق محقق.
عصام الحسين