فمن جهة أولى، فإن عرمان بإضافته لأسماء جديدة بعيدة عن القطاع -سواء تحت صفة خبراء أو مستشارين- أعطى ملمحاً واضحاً من المؤكد أن الوطني قد سارع بإلتقاطه؛ أن قطاع الشمال فى الواقع خال من الكوادر السياسية الحقيقية من جهة، كما أنه يفتقر الى ما يمكن أن يشير الى أنه يمثل السودان قاطبة، وهذه دون شك نقطة ضعف جوهرية كان من الممكن أن تظل فى دخيلة القطاع لا يجرؤ أحد على ملامستها ولكن عرمان سواء بمكره وخبثه الخاص، أو بمشورة آخرين رسخ هذا الانطباع ليس فقط فى ذهن الوفد الحكومي المفاوض وإنما أيضاً فى ذهن الوساطة الإفريقية والمجتمع الدولي على السواء.
ومن جهة ثانية، فإن الأسماء المعروضة وسواء كان لديها علم مسبق وتم أخذ مشورتها أم لا، أصبحت بطريقة أو بأخرى (جهة ضغط) على قطاع الشمال نفسه بأكثر مما هي وسيلة لإرباك الوفد الحكومي إذ لا يستطيع هؤلاء الخبراء بحال من الأحوال تقديم أية دفوعات بأن قطاع الشمال يمثل السودان كله وهذا هو مربط الفرس فى الأمر كله.
ومن جانب ثاني فإن هؤلاء الخبراء أيضاً لا يستطيعون (عملياً) تقديم النصح والمشورة بشأن قضايا المنطقتين فإن هم فعلوا فقد يواجهوا برفض من قبل أهل المنطقتين خاصة وأن موضوع وأجندة التفاوض لن تتجاوز قضايا المنطقتين.
من جهة ثالثة، فإن عرمان بهذه الخطوة المتسرعة ربما كان يراهن على فشل هذه الجولة أو تعثرها على الأقل، وفى هذه الحالة فإن الخبراء الذين استجلبهم -عاجلاً أم آجلاً- سوف يدركون طبيعة الدور الذي يقوم به عرمان أو طبيعة الآلة الأجنبية المحركة له، وحينها إذا ما انسحب أيٍّ من هؤلاء من الوفد فى ذلك خسارة غير ضرورية لعرمان ما أغناه عنها منذ البداية.
وهكذا فإن الطرف الذي تم إقحامه إقحاماً فى وفد القطاع من المحتمل أن يتحول فى أي وقت الى عنصر ضاغط على قطاع الشمال خاصة إذا وضعنا فى الاعتبار أن الساحة السياسية حالياً فى السودان منفتحة على حوار شامل لا يحتمل أي تسويف أو مماطلة قد تفضي الى احتقان جديد!
ومن جانب آخر فإن الخبراء المعنيين هم أيضاً أدخلوا أنفسهم فى اختيار صعب، إذ أن أية نتائج محتملة قد تفضي إليها المفاوضات وتجانب مصلحة القطاع -وهذا أمر وارد- ربما تتحول الى (عقدة ذنب) مستدامة بالنسبة لهم، ففي التاريخ هنالك العديد من الحالات المماثلة التى تورط فيها بعض الخبراء بقصد أو بغير قصد وأصابتهم لعنة التاريخ التى لا تمّحي!
سودان سفاري
تحليل سياسي
ع.ش