والمشكلة الخطيرة من وجهة نظري تكمن في أن هناك جهة «رسمية» قدمته لوزارة الخارجية على أنه سيناتور من مجلس الشيوخ الأمريكي، وهذه «الجهة» هي محل ثقة لعلي كرتي وأركان حربه في الوزارة، وطالما أن هذه «الجهة» قالت سيناتور يبقى خلاص سيناتور «غصباً عنه وغصباً عن كل الخونة والمارقين والعملاء.. وفي حدي بيعرف أكتر من الجهات الرسمية».. أكرر أن المشكلة وكل مشكلات البلاد المعقدة تأتينا بسبب «العفوية القاتلة» من تلقاء بعض الرسميين، لأنهم حينما يتصرفون أو يقولون ينسون أنهم رسميون ويتعاملون بذات العفوية القاتلة على طريقة الرعاة، وأصحاب الدكاكين وبغباء لا يحسدون عليه، بل ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً..
الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية قدم تبريراً فطيراً جداً وغير مقبول البتة، حينما أشار إلى أن «الضيف» لم يأتِ عن طريق وزارة الخارجية، وأن جهات رسمية «نواب» قدمت «الزائر» للوزارة الخارجية على أنه «سيناتور»، وأن هذه الجهات محل ثقة للوزارة.. رجال الدولة لا يتعاملون بهذه الطريقة العشوائية: «ناس محل ثقة وقالوا لينا الزول دا سيناتور، وخلاس اعتبرناه سيناتور».. «أها الزول طلع ما سيناتور وما من مجلس الشيوخ الأمريكي، أها تودوا وشكم وين؟!»
أما الجهات موضع ثقة وزارة الخارجية بعد اكتشاف السيناتور «المزيف» يصبحون أمام أمرين إما أنهم «متآمرون » ومتسترون على جريمة «انتحال الشخصية» ومشاركون فيها.. أو أنهم أناس على درجة عالية من السذاجة والبساطة والمسكنة القاتلة، فلهم أن يختاروا بين الاثنين.. الدول لا تُدار بهذه السذاجة والعفوية الموغلة في العشوائية، ولا شك أن مثل هذه التصرفات محلها الحقول والمراعي وأسواق أم دفسو والملجة وأسواق البطيخ والشمام، وليس مؤسسات الدولة الرسمية..
المضحك المبكي أن «الراجل» بحث مع المسؤولين مسار العلاقات السودانية الأمريكية، وكيف أن أمريكا فوتت فرصة ثمينة للاستثمار في مجال النفط السوداني، وربما استخدم «السيناتور» الجزرة الأمريكية الشهيرة، ومن عجب أن المسؤولين هللوا وكبروا واستبشروا بـبيعهم الذي بايعوا به السيناتور المزيف… هذه لم تكن المرة الأولى في التعامل الرسمي بـطريقة بلدية و «عشوائية» في قضايا حساسة، ولن تكون الأخيرة طالما مازال العقل الرعوي يقود مؤسسات الدولة.
صحيفة الإنتباهة
ع.ش