ليس ثمة جدال في أن ذلك الشاب الحالم بالصعود بارع في صناعة الجدل والإثارة وكسر جمود الشخصية، وتحسب دعوته التي بثها عبر الوسائط الإعلامية بضم بعض الإسلاميين لقائمه وفده المفاوض أمراً مربكاً في الساحة السياسية، وإلقاء القنابل الصوتية على مقربة من المسامع، عرمان حرص في بيان ذيله بتوقيع الناطق باسم الوفد المفاوض مبارك أردول على الزج بمن أسماهم بالخبراء الوطنيين، ليقوموا بدور المستشارين خلال جولة المفاوضات التي ستنطلق في غضون الأسبوع المقبل، من بينهم الواثق كمير وكمال الجزولي وبلقيس بدري وخالد التجاني النور، بجانب الشفيع خضر، إيمان جاموس، محمد عبد الله خاطر، عمر إسماعيل، ونجوى موسى..
المحامي كمال الجزولي أمن على مشاركته ضمن الوفد كخبير قانوني، فيما نفى خالد التجاني مشاركته ضمن الوفد وقال إن البيان يوحي وكأنه عضو في الحركة الشعبية وهذا ليس صحيحاً، لافتاً إلى انه كخبير عندما يكون مع طرف من اطراف التفاوض يفقد استقلاليته، في السياق اعتبر القيادي بالحزب الشيوعي د. الشفيع خضر إنه لا يمثل جهة ولا عضوا في وفد الحركة، مشيراً إلى انه تلقى اتصالاً من قطاع الشمال أفاد بأنه يريد مجموعة خبراء من ألوان سياسية ومدارس مختلفة، وأبلغوا الوساطة بالمقترح حتى يكون طرح القضية بشكل قومي، البعض عد الأمر نوعا من (البوليتيكا) التي يحاول عرمان أن يلعبها في مسرح كبير ومكشوف، بينما صوب آخرون المعنى في دوائر مفتوحة أقربها أنه يتوخى القومية والكسب السياسي في حراكه المتصل، ولا يريد أن تغادره الاستفهامات، ويحاول تكثيف الأضواء على مائدة المفاوضات ليمنحها مزيداً من الزخم والأيادي التي تصفق، ثمة رسائل أخرى للخارج راحت تومض من نسيج الخطوة المباغتة التي خطاها عرمان ترقى لأن تكون دعاية انتخابية، لا سيما وأن المكان سوف يزدحم بالثوار والزوار، أسماء لامعة في بهو (الشراتون) الفخيم بالعاصمة المطيرة.
بعيداً عن جبهات القتال يقضي عرمان سحابه يومه في معارك صاخبة تدور رحاها في المنافي والفيافي الباردة، نهجه السياسي الذي يصب بنهاية الأمر في نهر أمجاده التي يتوخاها حذراً لا يروق للكثيرين من رفقائه، في خاطر البعض معركته الإسفيرية مع الروائي ذائع الصيت عادل القصاص، وخلافاته المتناسلة المكتومة مع الدكتور منصور خالد من جهة والواثق كمير من جهة أخرى بجانب بعض القادة الميدانيين.
عرمان في خلافاته تلك والاتهامات التجريمية التي تساق له بارتكاب الكثير من الجرائم يحاول ارتداء قبعة الرئيس الروسي السابق “خروشوف” ومما يروى عن “خروتشوف” أنه في مؤتمر للحزب الشيوعي عقب توليه الرئاسة بعد “ستالين” الرهيب ظل يعدد في جرائم “ستالين” الذي كان “خروشوف” نائباً له، وفوجئ بأحد الحاضرين يرسل رسالة قال له فيها “وأين كنت أنت عندما كان يفعل كل هذه الجرائم”؟ فما كان من خروشوف إلا أن تلا الورقة، وقال: من صاحب السؤال، أريده أن يقف لأراه أو يحضر إليَّ، ولكن صاحب الورقة مضى في صمته وأطبق المكان في رعب جديد، وردّ عليه خروشوف: “لقد كنت في مكانك هذا يا رفيقي”، المقاربة البعيدة ربما تكمن في أن عرمان يتذاكى على الظروف والمواقف الحرجة.
عرمان في الماضي لم يكن مقبولاً لدى الحكومة، وطالما انتاشته رصاصات منبر السلام المصوبة بعناية، وهو بحسب وجهة نظر تيار نافذ المؤتمر الوطني لا يعبر عن وجهة نظر المناطق التي تدور فيها الحرب وهو بذلك ليس مؤهلا للتفاوض من جانبها، لكنه هذه المرة يرتدي عباءة طالما نسج خيوطها على مقاسه، ومن وراء كل هذه المشاهد ينسل البروفيسور إبراهيم غندور رئيس وفد التفاوض الحكومي ليلقي بالكرة على ملعب قطاع الشمال (سنفاوض كل من لبس جلباب قطاع الشمال وجلس تحت لافتته) الرسالة التي التقطها عرمان وفتل على جديلتها وأدرك أنه سيعبر الجسر بعدها لابد أن الدكتور خالد التجاني وكمال الجزولي قد التقطاها، ولكن يبقى السؤال شاخصاً: ماذا بعد التفاوض؟
عزمي عبد الرازق: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]