‫اموت ليك

‫اموت ليك
من اساليب التحنيس واللياقة التي نستعملها نحن النسوة – لفرض رغباتنا على الاخرين، أو ابتزازهم واجبارهم على الخضوع وانجاز عمل لمصلحتنا نقول مثلا:
اموت ليك يا فلانة كان ما سويتي لي سندوتش معاك .. أموت وتدفنيني كان ما مشيتي معاي .. ان شاء تعدميني أكان ما قعدتي اتونستي !!
لا اعلم على وجه اليقين ان كانت النساء تتعامل بنفس النسق المتعابط مع ازواجهن، ولكن لم نتعود ان تطلب المرأة من زوجها خدمته
ا في شيء، ثم تقدم طلبها مسبوقا ومشفوعا بـ(أموت ليك وتدفني) .. ربما خوفا من أن يرفض تنفيذ الطلب أملا في ان تصيبها عاقبة دعوتها على نفسها فتموت ويدفنها بحق وحقيقة ..
قد تقول راصدة متجندرة (قطع شك دا الحا يحصل)، وذلك لان للرجال سمعة سيئة في مجال تمني الخلاص من ورطة سجن الزوجية بمعونة عزرائيلية، ولكن دعوني اتجندر لصالح الرجال وانحاز لصفهم في الموضوع دا بالذات .. مرة واحدة بس يا نسوان ما بسويها لي عادة !!
احقاقا للحق، فان النساء لا يتندرن على فاجعة رحيل الازواج والترمل، كما يحتفي الرجال في نوادرهم بـ (الحل السلمي) الذي يفك أسرهم من شبكة زوجاتهم، ولكن في المقابل وعلى ارضية واقعية الحياة، فان النساء يتعاملن مع وفاة الزوج بصبر وثبات مجبرات .. لا بطولة ولا قسوة قلب، فعندما تفقد المرأة العايل والمعين .. الظل والضراء من لهب الظروف المتمثل في زوجها، فانها تقف مجبرة وتتصدى للمسئولية في غيابه وتتحمل تبعات فرقتو فتكون الام والاب لاطفالها .. على الاقل لو غلبتا الشيلة بتبحث (جادة) عن بديل يسد الثغرة !!
بالمقابل فالرجال الـ(براهم شايلين حال رقابهم)، هم من يتندرون على فقدان الزوجة رغم انهم أقل مقدرة على الصبر واحتمال خسارة رفيقة الحياة .. في ذمتكم حصل مرة سمعتو عن زوجة ماتت حزنا على زوجها ؟ غايتو أنا يطرشني، لكن تتوقف حياة بعض الرجال الممتلئين محنة ومشاعر انسانية رفيعة، حزنا على فراق وليفاتهم، من زمن قيس ومرورا بالمحلق وحتى زمن قيس (اليمني) في عصرنا الحديث جدا، والذي تناقلت حكايته الوسائط الاعلامية نقلا عن صحيفة الراي الكويتية ..
تقول الصحيفة (في واقعة نادرة الحصول في أيامنا، أجهزت موجة عارمة من الحزن على حياة خمسيني يمني، بعد ساعتين ونصف الساعة فقط من وفاة زوجته الأربعينية، لتستمر عائلتهما في تقبل العزاء خمسة أيام متواصلة) ..
وتحكي القصة الغريبة التي تثير الشجون، وتدعم ظننا بأن دنيا وفاء الرجال ما زالت بخيرها، بإن امرأة يمنية في الخامسة والأربعين من عمرها وافتها المنية جراء حمى شديدة ألمت بها، ولكن بعد موارات جثمانها الثرى، ظل زوجها غارقا في الوجوم والصمت لا يكاد يدري ما حوله، بعد أن استولت عليه الصدمة، وسط دهشة المعزين الذين حاولوا إخراجه من حالته دون جدوى.
ويقول الجيران من اهل الحي إن حبا نادرا كان يجمع بين الزوجين اللذين لم يسمع أحد من جيرانهما بأنهما تشاجرا مرة واحدة، أو حتى ارتفع حوارهما قليلاً، وبينما كان المعزون يتوافدون لتقديم المواساة للزوج المكلوم وعائلته، فوجئ الجميع بسقوطه من الإعياء ولم تمضِ بضع دقائق حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ولم يكن انقضى على دفن زوجته أكثر من 150 دقيقة، ليسارع أبناء المنطقة والأقارب إلى استعادة مشهد الجنازة، حيث شيعوه – وسط حزن غامر – إلى مثواه الأخير إلى جوار زوجته .. يا اخوانا مش بس الايمان والحكمة يمانية .. حتى الحب والوفاء يماني !!
بالمناسبة، الرجال السودانيين ورغم ما اشتهروا به من غلظة واخشوشان المشاعر، إلا أن هناك الكثير منهم ممن تنطوي صدورهم على قلوب من ذهب (ديل ما كتار .. ما تفرحوا وراسكم يكبر)، فكم من زوج توفت عنه رفيقة حياته انطوى على نفسه يهدهد احزانه في صبر، وكلما طلبوا منه أن يتزوج من أخرى تنسيه خسارته ترفّع عن ذلك وامتنع قائلا عن المرحومة انها ليس كمثلها النساء وانه لن يستبدل التبر بالتراب ..
حقيقة استوقفتني حادثة الزوج اليماني طويلا، خاصة المعلومة التي ذكرها أحد أبناءه، والذي أكد انه شاهد الدموع تملأ عيني والده حتى بعد مفارقته الحياة .. في حب يا اخوانا اكتر من كده ؟!!
هذا المثال على الحب والوفاء الذي يعد نادرا، ليس على الرجال فقط ولكن على نمط العلاقات الانسانية ككل، فنحن في زمن طغت فيه المصلحية والمادية على مساحات المشاعر الصادقة بين الجنسين، وساد زمان (يا دنيا ما فيك الا أنا ومصلحتي) !!‬

منى سلمان
[email]munasalman2@yahoo.com[/email]

Exit mobile version