حاتم أرباب : أبو جاكومة والتربع على كرسي الرئاسة (1-2)

[JUSTIFY]بعد أن نجح أبو جاكومه في الإطاحة بالحاكم، وتربع على كرسيّ الرئاسة.كانت زوجته أول زائر لمكتبه.
قام أبو جاكومه، مرحباً بها،قائلاً : تفضلي يا سيدة بلاد السوكوز .. لقد تحقق حلمي! وأصبحت أعلى
سلطة بالبلاد ..لا احد بعد اليوم يعطيني الأوامر، ولا احد يقول لي خلف دور، لاحد يرسلني مكرهاً لجبهات القتال،لا عدس، لا عطرون بعد اليوم .

فقالت له: يا، أبو جاكومه أن الحلم لم يتحقق بعد؛ إنما بدأ ، وإدارة البلاد، وأمور العباد، ليست بالأمر السهل.. تحتاج لدراية بالتاريخ لتأخذ منه العبر ..وتحتاج للحنكة والدهاء،وتحتاج للمكر والخبث أيضا.. الشدة وحدها لا تكفي. وأنا أراك انت، ورفاقك لا تعلمون غير لغة السلاح.. فالطلقة: قد تقتل نفر

والكلمة: قد تقتل جيشا بأكمله! الكلمة: ربما تحقق شئ تعجز عن تحقيقه الجيوش الجرارة! فإذا كنت تريد أن تكون حاكماً طوال حياتك؛ فارسل في البلاد، ليأتوك بأكابر العلماء في الدين، وفى العلوم، والتاريخ؛ وخبراء في الإجرام، والدجل والشعوذة.. فلما حضر العلماء، وأصحاب المكر والدهاء.. قال لهم أبو جاكومه: أريد منكم أن تضعوا لي سياسة؛ تمكنني علي البقاء في الحكم طوال حياتي.
قال عالم الدين: تحكم بالشريعة الإسلامية؛ فهي النظام الأمثل للبشرية. تطيعك الرعية ما خفته الله فيها. وإن انحرفت عن المسار المستقيم؛ ضاعت الدولة، وضاعت القضية.
فقال أبو جاكومه: الشريعة كانت السبب الرئيسي وراء قتل الخلفاء الراشدين. و ففترة حكمهم كانت قصيرة قبل أن يقتلهم المارقين، وهم كثر في هذا العصر.
فقال كبير المشعوذين: لقد صدقت يا أبو جاكومه! فهذا الطريق، يقودك للهلاك مبكرا.ً و(سانده في الرأي كبير المجرمين).

قال عالم التاريخ: هناك سياستان اتبعهم معظم الملوك والرؤساء؛ سياسة الحكم بالعدل -وسياسة فرق تسد.. فاذا حكمت بالعدل؛ حبتك الرعية.. و أمنت مكرها.. فالعدل: يحتاج إلى حزم، وتواضع يذوب الفوارق بين الحاكم والمحكوم.. يأكل مما تأكله الرعية، ويلبس مما يلبسون، ويتعالج في المستشفيات التي هم فيها يتعالجون، ويركب من (العربات) ما يركبون، ويسكن في بيوت الطين كما يسكنون.. فلا أرى هذا ما تريده انت؟! فإني أنصحك بسياسة( فرق تسد).. تشغل الرعية فيما بينهم بالحروب.. فالحرب؛ تولد الجوع، والجوع؛ يولد المرض والفساد. والفساد لا تمنعه الأسوار العالية من الدخول.. فحتماً سيمتد إلى قصرك، وتكون انت.. آخر ضحاياه. فاعترض عالم الدين على هذه الفكرة قائلاً للحاكم: ستجلب عليك اللعنة! ولن تفلح أبداً.

فقام كبير الدجالين والمشعوذين وقال: يا سيدي الحاكم، السياسية ما هي: لا كعمل الشعوذة والدجل.. تجمع بين المتناقضات! تجمع بين الشيخ والسفيه! والعدل، والظلم؛ وتجمع وتفرق بين الناس. فنحن نحفظ الكثير من القرآن الكريم، ونصلى ،ونحج كل عام، ونفرق بين المرء وزوجه! وننصر الظالم، والمظلوم! يرونا اتباعنا شيوخ زاهدين، ويرون الحاقدين، مشعوذين ضلاليين. فإن وجدنا الحماية من الدولة كانت لنا الغلبة، واليد الطولي! فهذا الشيخ، الذي نصحك بالشريعة الإسلامية، قد مددت له يدى ولم يصافحني! لأنه يظنني مشعوذاً. فلو أردت أن يراه الناس زنديقا ويروني، انأ شيخ جليل.. ما عليك إلا، أن تعطينا رضاك وكرمك. فمن خلالك يرون الناس. فالأمر بيدك يا سيدي… فصفق كبير اللصوص! نعم… نعم. هذا صحيح. فإن منحتني وزارة فسيروني الناس شريف عفيف. وهذا الشيخ: لص حرامي أذا غضبته عليه. فقال عالم التاريخ: نعم.. التاريخ حافل بهذه القصص. فقام الشيخ: غاضباً معترضا!ً فقال الحاكم: اجلس مكانك، أيها الزنديق!

أعجب الحاكم بذكاء المشعوذ، فعينه المرجع الديني، والسياسي للبلاد.وأصبح كبير اللصوص من المغربين للأسرة الحاكمة! قال المشعوذ الدجال للحاكم: إن كنت تريد البقاء في السلطة طوال حياتك؛ أنصحك بأن تحكم باسم الدين! لا ترجم الزاني، ولا تقطع يد السارق، أمر الناس بالبر، وأنسى نفسك وحاشيتك، أعفو عن الغنى، وعاقب الضعيف، وأجر الوزارات للوزراء! يدفعون ما عليهم من أموال وخدمات، ولهم حرية التصرف؛ من فسد ودفع ما عليه، فلا سلطان لك عليه. هكذا سيعملون بإخلاص لجمع المال، بل سيتنافسون من سيجمع أكثر. وبذالك تزدهر التجارة، وتزدهر البلاد، وتكون انت مرتاح. بعيداً عن (الشكاوى و البلاوي) وتكون متفرق للسفر والسياحة، مع نسائك، و أولادك. و إذا أراد وزير من الوزراء تبديل وزارته فله ذالك، إن كان التبادل عن تراضى بينهما؛ فبذالك تضمن ولائهم، وستكون انت ولي نعمتهم.

أعجبت زوجة الحاكم بالفكرة. وقالت: نأجر جميع الوزارات إلا وزارة الدفاع ! فلابد أن تكون في يد من ننال ثقته. فضحك المشعوذ قائلا: (إن كيدكن عظيم)
لقد صدقتي! ولكن الثقة ماتت يوم اعتلي زوجك العرش. لا تبحثوا عنها. سياستنا ليس فيها بند ثقة بل ادفع وستفيد. لو أعطيت الثقة لي أخاك، ربما غدر بك. وان أعطيتها لابنك ربما غدر بك. الم تسمعوا بالشيخ الذي أطاح به ولده؟
فقالت زوجة الحاكم: سمعنا بالحوار الغلب شيخو؟!

فقال المشعوذ الدجال: أنصحكم بالبحث وسط الجنود والضباط ،عن أبله يسيل اللعُاب من فمه فالبلهاء يخفقون في مهامهم، ولكنهم اجدر الناس بالثقة.

فقال الحاكم: صدقت يا داهية، العجم والعرب.
وزعت الوزارات. وكل وزير بما لديه فرح، إلا وزير النقل والمواصلات، كان ساخطاً ، وكان أتعسهم حظاً وكان يندب حظه قائلا: ناس الجاز (يحلبوا ويبيعوا)، وناس الأراضي (يمتروا ويبيعوا)، وناس الزكاة (يجمعوا ويسفوا)، وناس الثروة الحيوانية (اغرفوا ويصدروا ويبيعوا، لا خلوا حاجه للحم ولا خلوا شي اللبن) ماذا افعل أنا بخطوط سكة حديد؟ قطاراتها تحتاج للكثير من المال، لا …لا، لن اخسر فيها مليم واحد. ولسوء حظي لا يمكنني الاستفادة من معداتها! فلتكن محطاتها مأوى للنازحين، وحديدها (كمر) للمحتاجين، والقطارات مسكن للشياطين، وضالين السبيل. ثم تفقد (الطرق) فوجد الدهر قد سبقوه عليها (أكلها وشرب) فقال لاتباعه: ضعوا نقطة رسوم عبور على كل طريق. فجمعوا له الجبايات. اشتري منها قطعة ارض وبني عمارة متواضعة، تنافس عمارة وزير الغابات، الذي كان اقل منه كسب ولكنه حامداٍ شاكراً لله.

حان وقت دفع إيجار الوزارة للقصر. فلم يكن في يد الوزير ما يكفي لسداد الإيجار، فاضطرّه لبيع الميناء والبواخر. كان معظم الوزراء والمقربين من الحاكم في ذالك الوقت،قد كثرة شركاتهم، وطالت عماراتهم، فقال وزير النقل والمواصلات، والحقد يملأ قلبه لأحطمن الخطوط الجوية، وأبيع مكاتبها وادع هؤلاء الوزراء يسافرون على ظهور المراكب والحمير.

بلغ عمدة المدينة أن و وزير النقل والمواصلات غير راضي عن عمله. فذهب إليه في مكتبه، وأوضح له كيف يمكنه الاستفادة من هذا العمل. فقال له المدينة تطورت وكثرت فيها السيارات، ليس هناك بيت فيه اقل من (عشر سيارات) فأصبحت المدينة مزدحمة. كل يوم أتأخر ساعة وساعتين عن مكتبي بسب الزحمة، فالمدينة محتاجة (لكباري) والبنك الدولي يمنح قروض لتشيد (الكباري) كل ما عليك إرسال أوراق بختم الحاكم، فسيأتيك المال؛ لبد.. لبد. كل الوزراء قرضوا البنك الدولي قرضاً حسنا، لا رباء فيه.

وصلت القروض …كان الوزير فرح ساهر طول الليل يخطط في مشاريعه، وبينما هو شارد الذهن دخلت عليه زوجته، وجلست بجانبه. فقالت له: عندي لك اقتراح (بدل الكباري) ! فقال لها: وما هو؟

قالت له: الكباري مهمة ولكن يمكن تأجيلها عندنا أربعة كباري مع شوية تنظيم يمكن أن نحل مشكلة الزحمة. لقد قمت اليوم بزيارة احد معارفي في المستشفي، امرأة مصابة بفشل كلوي، والمستشفي مصاب بالإهمال، ينقصه كل شي! الناس تصارع الموت هناك. لما لا ، تسخر هذه الأموال لبناء مستشفي حديث، بثمن السبعة كباري! يتعالج فيه الناس، ونتعالج فيه نحن، بدل من أن نسافر للعلاج في الخارج في كل صغيرة وكبيرة.

غضب الوزير من اقتراح زوجته. قائلا لها: (قومي نومي) ظننتك ستقول لي نشتري شقق في دول سياحية، كما فعل معظم أصدقائي الوزراء ….

نواصل …

النيلين – حاتم أرباب
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version