وقد لفت نظري في متابعتي للتداعيات المتعلقة بالراحل غازي أثناء اشتداد أزمة مرضه بداء السرطان، وكذلك بعد انقضاء أجله وانتهاء رحلة عمره وانتقاله من الدنيا الزائلة والفانية إلى الدار الآخرة الباقية والخالدة.. لفت نظري ما نقلته صحيفة «أخبار اليوم» الصادرة أمس الأول السبت عن السيد صلاح عبد اللَّه ـ صديق الراحل غازي ـ الذي زاره صباح الخميس الماضي مع صديقهما الزهاوي إبراهيم مالك، حيث ذكر السيد صلاح وفقاً لما ورد في «أخبار اليوم» أن الراحل غازي أبلغهما أثناء زيارتهما له أن النائب الأول السابق للسيد رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه كان قد زاره قبلهما في صباح ذات اليوم، وعندما رأى حالته، ووقف على ما يعاني منه، نتيجة لاشتداد أزمة مرض السرطان ودائه، انخرط في البكاء شفقة عليه وتألماً له وتعبيراً صادقاً وحاراً عن مواساته. وعندها قال له الراحل غازي ـ كما نقل على لسانه السيد صلاح عبد اللَّه ـ : يا أخي لقد تعلمنا منكم في الدين الحنيف الذي تدعون له وتعملون من أجله كما تقولون أن ما نعاني منه من مرض وكل داء غيره إنما هو مجرد ابتلاء وامتحان لصدق الإيمان، ونحن نرضى بهذا الابتلاء، ونسأل اللَّه العافية في الدنيا والآخرة.
ومن جانبي فإنني لا أدري إن كان الأستاذ علي عثمان وهو شخص نبيل كما أعتقد، كان يبكي عندما زار الراحل غازي ووقف على حالته المؤلمة والباعثة على الشفقة قبل رحيله حزناً فقط على تأثره الصادق والعفوي بمثل تلك الحالة، وما تنطوي عليه من مأساة محزنة ومفجعة، أم أن ذلك كان أيضاً نتيجة لتأثره كذلك بما تنطوي مثل هذه الحالة الممثلة في شخصية الراحل غازي سليمان المحامي والمناضل النبيل من تعبير عن الأحوال الوطنية العامة الراهنة، والأحلام التي كانت سائدة ومرجوة لها لدى النخبة المعبرة عن الحركة الإسلامية السودانية الحديثة والمعاصرة، والمتمثلة بصفة خاصة في شخصية الأستاذ علي عثمان وغيرها من الشخصيات المماثلة في تعبيرها عن حركة النخبة الأخوية وتمثيلها كرموز بارزة لها، أو برزت فيها وانطلقت منها واستندت وارتكزت عليها للمساهمة في الحياة العامة، بعد السيطرة على السلطة الحاكمة بهيمنة منفردة من وصولها إلى سدة الحكم بانقلاب ثوري مدني وعسكري في الثلاثين من يونيو «1989م» وحتى الوقت الحالي.
وفي معرض المقارنة بين ذلك الرجاء وما انتهى إليه على أرض الواقع، ومع الأخذ في الاعتبار الحقيقة الماثلة التي أخذت تفرض وتطرح نفسها بقوة صارت ملحوظة وملموسة ومتصاعدة، وهي الحقيقة المتمثلة في أن الحركة الإسلامية للنخبة السودانية المدنية والعسكرية الحديثة والمعاصرة مازالت تكابد وقد صارت تسعى مجدداً في البحث عن سبيل للعودة إلى صوابها وتصحيح مسارها، إذا كان لها أن تحقق ذلك في خاتمة الطواف ونهاية المطاف، فإنني لم أجد أفضل من مثل هذه المناسبة من توجيه رسالة مفتوحة للسيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بعد رحيل المناضل الوطني الكبير والنبيل غازي سليمان المحامي. فهل يحقق البشير ما دعا له غازي قبل الرحيل.
وفي سياق مثل هذاالإطار للرسالة تجدر الإشارة للحوار الذي أجرته صحيفة «آخر لحظة» مع الراحل غازي بتاريخ الثالث من سبتمبر«2013م» وأعادت نشره بمناسبة رحيله في عددها الصادر أمس الأول السبت، في ذلك الحوار ذكر المناضل الوطني النبيل أن الحل لمشكلات السودان في الواقع الماثل الآن يتمثل في، أن يتحمل الرئيس عمر البشير مسؤولياته الدستورية، ويقوم بتنقيح السلطة من الانتهازيين والمفسدين وآكلي أموال الناس بالباطل، وأن يقوم بتعيين حكومة مصغرة من المشهود لهم بالنزاهة، فهذا هو الحل الذي أعني به الحلول الآنية وليس المستقبلية. ورداً على سؤال عن المشكلات الداخلية التي يعاني منها المؤتمر الوطني، ذكر المناضل غازي: «أنني شخصياً عبرت أكثر من مرة عن تقديري أن حزب المؤتمر الوطني الحاكم هو ليس إلا مساحيق تجميلية لبندقية المشير عمر البشير التي يحكم بها السودان، وعليه فلا أرى أهمية للمؤتمر الوطني إذا كان متوحداً أو منقسماً إلى تكتلات لأن السلطة في النهاية بيد عمر البشير بموجب الواقع والدستور».
وفي سياق ذات الإطار أعادت صحيفة «ألوان» الصادرة يوم أمس الأول السبت حواراً كانت قد أجرته مع المناضل الكبير والوطني النبيل الأستاذ غازي سليمان المحامي قبل الرحيل ذكر فيه: «أنني لا أعتقد أن هناك أهمية لوضع دستور جديد في السودان لأن دستور«2005م» يكفي، فقد توافقت عليه كل القوى السياسية السودانية، لكن الإصرار على كتابة دستور جديد يجعلني أظن أن الإنقاذ تريد أن تتخلص من هذا الدستور الديمقراطي الذي تراضى عليه أهل السودان، ولذلك فعلينا رفض أي دستور جديد والتمسك بدستور«2005م»، مع التعديلات اللازمة بعد انفصال جنوب السودان».. ورداً على سؤال في ذلك الحوار عن المخرج من الفساد الحالي قال المناضل غازي: «إن المخرج عند الرئيس، فالفساد يتحدث عنه القاصي والداني، وقد طال أغلب المؤسسات الحكومية، وجعل ا لخدمة المدنية إداة طيعة في يد المفسدين. والفساد يوجد في التعيين والتوظيف والرخص ونهب أموال المصارف، والبنك المركزي يتحدث عن أن حجم المال المعتدى عليه بلغ مليارات الجنيهات، وبرغم مطالبتي بكشف أسماء الذين اعتدوا على المال العام لدى المصارف لم يقم بنك السودان بكشف هذه الأسماء. وهذه هي المشكلة، فالسودان الآن في قائمة الدول المتهمة بالفساد وعدم الشفافية، وأنا شخصياً لا أعلم ماذا يدور في البلاد، وكل يوم أسمع قصصاً عن الفساد. وخير مثال لذلك يتمثل في سقوط الطبقة الوسطى. وليست لدي رسالة للمعارضة لأنني لا أرى معارضة، أما الحكومة فعليها أن تخاف اللَّه إذا أرادت الاستمرار في السلطة».
صحيفة الإنتباهة
ع.ش