كما وأن نتائج اللقاء تضمنت آليات ومرتكزات، من شأنها أن تشكل أرضية صلبة للحوار حول القضايا الوطنية. ولكن اختلاف وجهات النظر والمواقف بالنسبة لأحزاب الحكومة التي اجتمعت بالوطني سابقاً ألقت بظلالها على مستقبل اللقاءات التي يزمع الوطني إجراؤها مع بقية القوى السياسية، لجهة أن استباق الرئيس اللقاء وتصريحاته السابقة بحسب مراقبين أنها قد أدت إلى توتر الساحة السياسية كما وأنها قد أربكت بشكل ملحوظ المشهد السياسي في وقت راهن فيه البعض على أنها ستكون إحدى دعامات النجاح المرتجى بالنسبة لبقية الأحزاب السياسية غير المشاركة في السلطة.
وقد أشار لذلك الدكتور عبد الوهاب الأفندي بقوله: إنها أي المبادرة، ليست مصاغة وغير مكتوبة وليست مشروطة أو مفروضة وإنما هي فكرة مؤطرة على الملتقى في أن يجمع حول ثوابت وطنية تراعي جملة من المطلوبات تحقق أهداف الأمة وتضع حداً لكل مشكلة يمكن أن تطل برأسها فيما بعد. والإطار الذي جاء به صاحب فكرة الملتقى الجامع تحدد في كلمات مختصرة يمكن أن تتشكل حولها كل الرؤى الوطنية، أهمها وحدة السودان والحكم الفدرالي، السلام، إعلاء قيمة الحوار بديلاً لحمل السلاح والاحتراب، التأمين والتأكيد على الاتفاقيات الموقعة.
ولكن ثمة تغييرات تقف أمام هذه التطلعات، فالأحزاب المناوئة للحكومة والتي لم تعد تثق في أي برنامج يطرحه النظام، وقد طفت خلافاتها الداخلية على السطح، حتى باتت الأخبار التي تتحدث عن تبادل التهم فيما بينها والاعتذار تدخل في دائرة الملل السياسي، ومن ثم فإنها تمثل عائقاً كبيراً وصلداً أمام فكرة الملتقى من أن تكتمل، وأقرب الأحزاب لحكومة المؤتمر الوطني من أحزاب المعارضة هما حزبا الأمة القومي الذي يواجه في الوقت الراهن عدم ثقة وسط أحزاب المعارضة وقوى التحالف، إضافة للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل.
وكلاهما تربطهما صلة وثيقة بالحكومة بعد أن عالجت موضوع وجودهما كحزبين مؤثرين في الساحة السياسية بإشراك أبناء قيادتي الحزبين في منصب عالٍ إضافة لنيل الاتحادي حصصاً وزارية أعلن بها مشاركته الكاملة للمؤتمر الوطني فيما يخوضه ولذلك فهو قد سحبت عنه الثقة وسط قيادات أحزاب المعارضة السودانية التي يأمل الوطني في أن يجمع بينها بحوار جامع، أعلن عنه السيد رئيس الجمهورية. ولذلك فإنهما بالحسابات الرقمية خارج نطاق التأثير الفعلي على الساحة السياسية تحت هيمنة قوى المعارضة إلا يسيراً، وهذا لا يحقق ما يقصد من فكرة اللقاء الجامع.
أما حزب الأمة فإنه لا يفصله عن الانسحاب من التحالف شيء سوى أن يعلن ذلك بنفسه أو يعلن التحالف خروجه عنه، فهو قاطع اجتماعته منذ فترة ليست بالقصيرة، وكدليل لأوجه الخلاف بين الأمة والمعارضة، إعلانه على لسان رئيسه الصادق المهدي عن موافقته المشاركة في الانتخابات المقبلة، وإن اشترط لها توافر الحرية والنزاهة كما قال. بيد أن المهدي قال إن حزب المؤتمر الوطني إذا أبدى استعداده في أية مرحلة من مراحل النضال الوطني للتجاوب مع الإرادة الشعبية، فبإمكان الأطراف الاتفاق على خريطة طريق ملزمة لإقامة نظام جديد وفق مقتضيات معينة متوافق حولها.
أما الشعبي فإن ظهور قياداته في الصف الأول استماعاً لخطاب الرئيس الأخير بقاعة الصداقة بحسب الأستاذ السر محمد أحمد المحلل والأكاديمي لـ«الإنتباهة» فإن ذلك يشي بأمر قد لا يستحسنه المعارضون وربما أثلج ذلك صدر النظام الحاكم، إذ تشير الدوائر بأن ذلك مدلول لاقتراب الشيخ من منصة الاتفاق مع التغييرات التي يزمع الوطني إجراءها عقب الخطاب الشهير وإشراك كل القوى السياسية في المرحلة القادمة، وهذاربما صب في صالح نجاح قيام الملتقى العام الذي نحن بصدده. رغم أنه أعلن مراراً عن عدم مشاركته في الانتخابات وبرر ذلك بغياب حرية النشاط السياسي، وأن الحزب الحاكم يسخر ممتلكات الدولة لصالحه.
أما الخبير الإستراتيجي الأمين محمد الحسن فقد أشار في حديثه إلى أن الفجوة لا تزال كبيرة بين القوى السياسية، وتلك المشاركة في الحكم. وإذا كان المؤتمر الوطني الحاكم حالياً يتحكم بصورة شبه تامة في أجهزة الدولة الأمنية والبيروقراطية، ويهيمن على مقدرات الاقتصاد، فهل ينتظر إذا جاءت الانتخابات بحكومة جديدة أن يسلم هؤلاء ما بأيديهم من سلطة ومال ثم ينصرفوا إلى منازلهم شاكرين ومقدرين للناخبين!! وعليه فإذا كان هناك أمر يجب أن يشغل به أهل اللقاء الجامع المنتظرأنفسهم وقد بدأت بعض الفئات المهمة من النخب السياسية التداعي إلى تلك الدعوات ــ فهو أن يتداولوا حول ما يمكن أن يحدث بعد انتخابات العام القادم، وكيف يمكن ترتيب انتقال السلطة مهما كانت نتيجة الانتخابات.
ويضيف الأمين أن أهم ما يمكن أن يوفره الانتقال البناء هو آلية تعايش بين القوى المتنافرة، وحسم قضايا الصراع المتفجرة التي تهدد كل تحول ديمقراطي، وضمان تحييد الدولة في الصراعات السياسية بحيث لا تصبح مسألة الاستيلاء على الدولة مسألة حياة أو موت للحركات السياسية. ويتحقق هذا عندما تضمن القوى مصالحها دون أن تحد من صلاحيات القوى الجديدة إن جاءت إلى السلطة. ويقول مراقبون إن العديد من الأسباب قد تؤدي إلى تعطيل الحوار الكبير الذي أعلنه الوطني عبر اللقاء الجامع بينه وفرقائه من الأحزاب السياسية السودانية للعبور بالبلاد إلى بر الأمان. وحال صحت هذه القراءة فإن قيام اللقاء الجامع لقوى الأحزاب السياسية المختلفة يمناها ويسراها أمر ربما أعاد الكرة للملعب الصحيح الذي يجب أن تمارس فيه، وبالتالي سيجنب ذلك البلاد مآلات كثيرة قد لا يكون مفيداً التطرق إليها في ظل هذه التداعيات.
صحيفة الإنتباهة
عبد الله عبد الرحيم
ع.ش