الطُلب( عُمال البناء.. يا ملح الأرض وابتسامات الطريق)

[JUSTIFY]مهنة ظهرت مع ظهورالإنسان ولها تاريخ عميق الجذور منذ ابتدراها مع بروز الحضارة الإنسانية بكافة أوجهها، خاصة المعماري والبنائي، ابتدر الإنسان العمل في هذه المهنة منذ عصور قديمة جداً عندما كان الإنسان ينحت الصخور للحصول على ملاجئ يختبئ فيها من الحيوانات المفترسة الضارية ويحتمي بها من من الأمطار الغزيرة ولسعات الشمس المحرقة والبرد القارس، حينها قرر أن يبتكر شيئاً جديداً فبدأ ببناء العشش من المواد المحلية مثل جذوع وسيقان وسيقان الأشجار والحشائس، ورويدا رويدا إلى أن بلغ به الأمر إلى ناطحات السحاب.
يشترك في إتمام عملية البناء وإنجاز المنشأة العمرانية، عدد كبير من العمال والفنيين المختصين، أما بالنسبة للعمال الذين كانوا يسمون بـ(الطلبة)، فإن وظيفتهم تنحصر في الأعمال التي لا تحتاج إلى خبرة فنية عميقة ودقة في المواصفات، إنما تحتاج قدرة ولياقة بدنية عالية بجانب قليل من المهارات، لكن ظل هؤلاء (الطُلب) يُشاركون في إنجاز معظم الأعمال المتصلة بالمعمار كعمليات نقل الخرصانة والطوب، ومساعدة العمال الفنيين في إنجاز أعمالهم الدقيقة.
مقاومة كبيرة
مهنه البناء قاومت كل ضغوطات الحياة والحداثة والتطور الذي طال كل مناحي العمارة ونشأتها وطرق العمل فيها كما قاومت كل فصول السنة شتاء وخريف وصيف، وظلت إلى الآن مصدر رزق لكثير من الناس مع اختلاف مقاماتهم بدءاً من المهندسين بكل تخصصاتهم مروراً بالبنائين وليس انتهاءً بالطُلب والعتالة، فتجدهم يعملون منذ الصباح الباكر حتى المساء لا يوقفهم برد قارس أو صيف ساخن، يخوضون في الماء، والرمل والسيخ والطوب والخرصانة، يصعدون بها السلالم والسقالات، فيا لها من لقمة عيش كريمة وحلوة وطاعمة، إنهم (الطُلب) ملح الأرض ومعمروها لا ينبغي أن يروا في مهنتهم عيباً، وهم بالفعل كذلك لا ينظرون لها بدونية، فمنهم من أحبها ومنهم من أجبرته الظروف على امتهانها.
لذلك دعونا نستمع إلى بعض تفاصيل الإرهاق اليومي الذي يسكن عظام هؤلاء العمال العظام، يرونها لنا بحب وإباء.
الوجود الأجنبي
يحكي عن لسان مجموعة من الناس، حيث يقول شاكر أحمد: كنا نخاف من الآلات المتحدثة، ولكن الوجود الأجني يشكل خطراً علينا خصوصا بعد موجه الصينيين التي ضربت السوق مؤخرا، فبات العامل السودان غير مرغوب فيه، مُبررا أن السودانيين يتصفون بالكسل والمماطلة في العمل، وأن الأجانب يتميزون بالدقة والانضباط في العمل وساعاته، وأردف: لا نرى فيها عيباً ولا إحراجاً لأن المجتمع خلق مكملا لبعضه، فنحن نشيد وغيرنا يوصل الكهرباء وآخرون يسكنون مقابل أداء خدمة أخرى سواء أكانت تعليم أوصحة أو غير ذلك.
السمعة رأس المال
يواصل أحمد عثمان، مهندس، قائلاً: إن تقلبات المناخ قد تؤثر قليلا على الأوضاع وسير عمليات التشييد، ولكن يبقى الوضع تحت السيطرة وفي (الخط السليم) إذ لم تؤثر تلك التغيُرات على العمل، وأضاف: نعم يوجد وجود أجنبي، ولكن عن شخصي أفضل التعامل معهم وخصوصا الصينيين نسبة لمهنيتهم العالية والخبرة الطويل، خصوصا في الأعمال الشاقة لأن السودانيين في الآونة الأخيرة ظهر عليهم التسرب أثناء ساعات العمل، والتعذر بأعذار واهية، وأردف العمل في مهنة البناء شاق ويتطلب قدرة بدنية ونفسية للتحمل، إضافة إلى ذلك يستغرق شهور للاكتمال ولا بد من توفر الأمانة على صعيد المهندس والعامل، وحتى المقاول، باعتبار سمعة العمل في السوق مهمة جداً، وهي العملة الصعبة والنادرة هذه الأيام، والسمعة وليس (الفلوس) هي رأس المال الحقيقي، فالمحافظة عليه تحفظ مقعدك واسمك، فيما قسم أحد العمال إلى درجات وأقسام حسب نوع العمل، من خفر ساس المبنى حتى تسليم المفتاح، مفصلا المقاول هو من يتفق مع العمال على الأجر مع صاحب المبنى والمنهدس من يقف على تفاصيل سير العمل، بجانب العمال الصغار والعتالة الذين يسمو بـ(اليومية)، إضافة إلى ذلك تختلف أسعار الأجور من عامل لآخر.
نشيد الختام
هكذا هو حال من يتسلق عشرة طوابق من أجل لقمة عيش، يكتفي بها اليوم وغداً (الله كريم)، وكأنه يحفظ من درويش تلك الأبيات الرائعة تعينه على مشقة العمل: (قالوا تعبتسم لتعيش/ فابتسمت عيونك للطريق/ وتبرأت عيناك من قلب يرمده الحريق/ وحلفت لي إني سعيد يا رفيق/ وقرأت فلسفة ابتسامات الرقيق/ الخمر والخضراء والجسد الرشيق/ فإذا رأيت دمي بخمرك/ كيف تشرب يا رفيق

دُرّية مُنير:صحيفة اليوم التالي

[/JUSTIFY]
Exit mobile version