د. عارف عوض الركابي : الطرق الصوفية.. وطعن «أبي قرون» في الرسول الكريم

[JUSTIFY]بحسب التسجيل الذي اطلعت عليه وهو منشور بشبكة «الانترنت» قال مقدم برنامج اسمه «مرافئ النيل» للنيّل أبو قرون: «الفتوحات الإسلامية دي كلها عبر التأريخ كلها مخطئة؟» فأجاب النيّل أبو قرون: «مخطئة، الفتوحات كلها مخطئة».. ثم سأل مقدّم البرنامج قائلاً: إن الفتح الأمثل هو فتح مكة وما عداه هو كما وصفت في بعض كتبك هو «استعمار عربي»؟! فأجاب النيّل بقوله: نعم..

قلتُ: في مقالي السابق في هذه القضية بينت أن هذا القدح والطعن هو طعن في القرآن الكريم حيث أن آيات القرآن في الأمر بقتال المشركين والكافرين لا تخفى، وهو طعن في النبي عليه الصلاة والسلام الذي غزا وأمر أصحابه بالغزو وبشّر أمته بفتح بلاد الكفر من بلاد الفرس المجوس وبلاد الروم النصارى وغيرهم .. وبينت أنه كذلك هو طعن في صحابة النبي الذين قادوا تلك الفتوحات ففتحوا البلاد وقلوب العباد ونشرواراية الإسلام ودعوته وكتابه وسنة نبيه في كثير من بقاع الأرض.. إن كلام النيّل أبو قرون الذي حملته قناة فضائية عبر أحد برامجها للآفاق، ونشرته بعض الصحف التي تبحث لموضوعات إثارة وسبق!! وإن تعارض ذلك مع ثوابت الدين وأسس العقيدة وبغض النظر عن الخطوط الحمراء وما تفرضه قوانين المجتمعات في عدم التعرض للأنبياء والقدوات والشعائر والمقدسات!!!

أما خبر النبي عليه الصلاة والسلام وبشارته بفتوحات أصحابه وما حققه جيش عمر بن الخطاب الذي طفأ الله به نار المجوس فمنه ما ورد في الصحيح عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ــ «إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِىَ الأَرْضَ فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا وَإِنَّ أُمَّتِى سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِىَ لِى مِنْهَا وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الأَحْمَرَ وَالأَبْيَضَ».

وأما عناية النبي عليه الصلاة والسلام وإرساله لأصحابه للفتوحات فمنها ما في الصحيح عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ». وغيره من البعوث والسرايا التي وردت أخبارها في كتب السنة والسيرة.

وقد شهد النبي عليه الصلاة والسلام لعلي رضي الله عنه بأنه يحبه الله ورسوله وأنه «يفتح» على يديه وذلك يوم خيبر وذلك في الصحيح عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سَمِعَ النَّبِيَّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ يَقُولُ يَوْمَ خَيْبَرَ لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ وفي رواية: لَيَأْخُذَنَّ ـ غَدًارَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ــ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ.

ومما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام من فضائل «الفاتحين» ما ورد في الصحيح أيضاً عن أُمُّ حَرَامٍ رضي الله عنها أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ ــ صلى الله عليه وسلم ــ يَقُولُ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ أَنَا فِيهِمْ قَالَ : أَنْتِ فِيهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ فَقُلْتُ أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: لاَ».

ومن أخبار النبي الكريم عليه الصلاة والسلام عن «فتوحات» أمته قوله: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ وَرَاءَهُ الْيَهُودِيُّ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ». وقوله: «ِإنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ نِعَالَ الشَّعَرِ وَإِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ تُقَاتِلُوا قَوْمًا عِرَاضَ الْوُجُوهِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطَرَّقَةُ» وقوله عليه الصلاة والسلام: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ».

إن الكلام الخبيث الذي خرج من فم النيّل أبو قرون بمساعدة مقدم ذلك البرنامج الذي سأل تلك الأسئلة إنه طعن واتهام لجناب النبي الكريم والرسول العظيم ، فالنبي عليه الصلاة والسلام هو من أمر بتلك الفتوحات وفي الصحيح أنه كان أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْ سَرِيَّةٍ أَوْصَاهُ فِى خَاصَّتِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا ثُمَّ قَالَ: «اغْزُوا بِاسْمِ اللَّهِ فِى سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ اغْزُوا وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تَمْثُلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى ثَلاَثِ خِصَالٍ ــ أَوْ خِلاَلٍ ــ فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَإِنْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا مِنْهَا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِى عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِى يَجْرِى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَكُونُ لَهُمْ فِى الْغَنِيمَةِ وَالْفَىْءِ شَىْءٌ إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَسَلْهُمُ الْجِزْيَةَ فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَكُفَّ عَنْهُمْ فَإِنْ هُمْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَقَاتِلْهُمْ..».. هذا هو ما صحّ وثبت عن نبي الأمة وأحب خلق الله إليه، إمام الأنبياء وقائد الأولياء وأفضل المرسلين سيد ولد آدم عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.

ولا يقارن هذا الطعن الآثم الخبيث والاتهام الماكر بما يفعله رسّامٌ غربي دينماركي أو هولندي أو غيرهما!! وعليه فالسؤال البديهي المطروح: أين دور الطرق الصوفية من هذا الاتهام المعلن المنشور لنبي الهدى والرحمات؟! خاصة وأن الطاعن ينتسب إلى الطرق الصوفية وقد قدّمه المقدم باعتباره شيخ طريقة!! وقائد من قادات الطريقة القادرية؟! فلماذا السكوت حتى الآن أيها الصوفية؟! وهل ستصدر براءة منكم من طعن شيخ الطريقة في النبي الكريم؟! وصحابته أولياء الله حقاً؟! وهل سمعتم تبرئة شيخ القادرية لرأس المنافقين ابن سلول؟! وهل سمعتم النيل أبو قرون كيف يقارن بين النبي وابن سلول؟! وهل وقفتم على رده الأحاديث النبوية التي رويت في البخاري ومسلم وغيرهما من كتب السنة؟! إذاً فماذا أنتم قائلون؟! وإلى متى أنتم صامتون؟! فهل نصرة النبي عليه الصلاة والسلام تكون بالنوبات والموالد وذكر الرؤى والمنامات؟!

وأخص بهذه التساؤلات من رأيناهم يصدرون البيانات في تبرئة شيخ البيبسي!! الذي لم يكن خصومه هم من السلفيين وإنما أهل الحي بمختلف توجهاتهم، ومع ما لديه من شطحات وجمع للفتيات المتبرجات!! أتته من بعض المجالس التبرئات والمساندات.. وغير ذلك!! فأين أصحاب تلك البيانات من الطعن في نبي الهدى والرحمات الذي نشر في شاشات القنوات الفضائيات؟! وأين من يدعون تعظيم النبي ونصرته؟! والمعلوم أنه من شغل نفسه بالبدع والمحثات انشغل بذلك عن الهدي والسنن المباركات!!

وفي تعقيباتي على الكاتب أبي عبيدة عمر قبل أيام في قوله: «نحن نواجه حملة إعلامية وفكرية يستهدف فيها أعداء الدين ذات المصطفى صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأفكاره في فضاء الإعلام الواسع. ولا تختلف الوقفات التي وقفتها كثيراً عن ما يفعله أعداء الإسلام من إساءة للدين ولعلماء المسلمين حيث أنها في نظري من التخذيل أو هي مما ينشر الإحباط بين أهل الملة». قلتُ في التعليق عليه وهو يناسب هذا المقام: الحملة الإعلامية نواجهها بالعلم وليس بالبدع، نواجهها بنشر الكتب والمحاضرات والشمائل المحمدية، نواجهها بما كان عليه أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين وتابعيهم والأئمة الأربعة وإخوانهم، فإنهم قد نشروا العلم والسنة فسروا الآيات وشرحوا الأحكام وبينوا محاسن الدين ووضحوا مقاصد التشريع، وعرّفوا الأمم بشمائل النبي عليه الصلاة والسلام وخصائصه وتركوا لنا من ذلك تراثاً عظيماً ورثناه من الدواوين والمسانيد والصحاح والكتب العلمية النافعة التي هي من مشكاة النبوة فهدى الله بها من يشاء من عباده.. فهل نواجه الحملات الإعلامية في تشويه الإسلام ونبيه هل نواجهها بالرقص وضرب النوبات واختلاط الرجال بالنساء والصرع عند الذكر المحدث والغيبة كما يصفها صاحب ديوان رياض الجنة بقوله عن لحظات الذكر:

لما تعاطاها أهل العلم صاحبهم حال الجــ***ـــنون فيا ويح الشجي الحاسي
وقال: وأدام ذكر الله حتى قيل مجــ***ــنون وقالوا إنه كالأبله
وقال: اذكر إلهك بكرة وعشيا حتى تخر على الثرى مغشيا

وغير ذلك مما يجب أن يخفى ويختفي من مظاهر الصرع والرقص والغيبوبة التي تسيء للإسلام ولم يكن عليها علماء الإسلام ولم ترد عن الصحابة ولا التابعين ولا تابع التابعين ولا غيرهم من الأئمة الأربعة وغيرهم من إخوانهم أهل العلم، وتلك المظاهر التي يجب أن لا تبرز فإنها وفي ذلك شهادات واعترافات منشورة مما يفرح بها أعداء الإسلام ويحزن لها الحريصون على هذا الدين.

وأما ادعاء الكاتب أن ما نشرته من بيان حكم المولد هو من التخذيل فهو قول مردود، فإن نصرة النبي عليه الصلاة والسلام تكون بالعمل بسنته وطاعته والاقتداء به ونشر هديه بين الناس ونصرة دينه وما كان عليه من اعتقاد وما دعا إليه من التوحيد والتمسك بالسنة.. وإن رد البدع والمحدثات هو من هدي النبي عليه الصلاة والسلام الذي كان يردد في خطبة الحج: «إن شر الأمور محدثاتها».. وقد كان إمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس الذي تشرفت بأن يكون بحثي في الماجستير في تطبيقاته لأصل سد الذرائع كان كثيراً ما يردد هذا البيت:

وخير أمور الدين ما كان سنة***وشر الأمور المحدثات البدائع

ألا فليعلم الكاتب أن معنى شهادة أن محمداً رسول الله هو: طاعته في ما أمر وتصديقه في ما أخبر والانتهاء عما نهى عنه وزجر وألا يعبد الله إلا بما شرع .. انتهى المقصود من النقل من كلامي في هذه الجزئية.

وأقول في ختام هذا المقال: إن نصرة النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام تجاه افتراءات النيل أبو قرون معلوم كيف تكون!! وإنا نرقب ومنتظرون!!

صحيفة الإنتباهة
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version