ملك اليمين 2
ألغى الرسول نظم الزواج الشائهة التى كانت بمكة قبل الإسلام باستثناء نظام الزواج المعلوم، لأنه رأى أن فيه ما يكفى الحاجة، لكن نظام الزواج أثقل بتقاليد وعادات ومطالبات جعلت تحقيقه عسيرًا، فالآباء والأمهات يطلبون ممن يطلب يد ابنتهم مهرًا كبيرًا وشقة جديدة، وأثاثاً يملأ هذه الشقة من ثلاث غرف، والشاب لا يجد شيئاً من هذا، فيسير حسير العينين، ويكون عليه أن يمضى سنوات طوالاً فى أسواق النخاسة العربية والدولية حتى يجمع المبلغ المطلوب «إذا جمعه».
وكان الرسول قد قال «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.. إلا تفعلوه تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير»، لم يطبق العرب هذا التوجيه، فحدث الفساد الكبير الذى تنبأ به الرسول.
لوثت صفحة الزواج وعوِّقت مُضيه.. لهذا كان على الإسلام أن يضع نظامًا جديدًا شاملاً لوسائل التواصل الجنسى، والعلاقة بين الرجال والنساء بحيث يغطى كل الاحتياجات متضمناً الصور المختلفة لمن أطلق عليهم الجوارى، ويوضح الطرق المختلفة لوسائل التواصل الجنسى، وهذا النظام يجب أن يقوم على ثلاثة أسس.
الأساس الأول: المساواة التى هى سمة الإسلام وطبيعته.
والأساس الثانى: القضاء على فكرة أن العبد لا شخصية له ولا عقل ولا قلب، وأنه يعجر عن البيع والشراء، وليس له أهلية لممارسة أى مسؤولية، وأنه على نقيض ذلك يتمتع بالصفة التى منحها الله تعالى لكل «بنى آدم»، وأن لهم جميعًا حقوق الاستخلاف الإلهى.
والأساس الثالث: أن تكون العلاقة بين السيد والعبد علاقة عمل، فالله تعالى قد أشار إليها ضمناً عندما قال «مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ»، فالأيمان «الأيدى» لا تملك إلا العمل، وعلى هذا تتغير الصورة كليًا.
وقد اهتدى كاتب إسلامى نابه لم ينل حقه من الشهرة، هو الأستاذ على يوسف إلى «أن العلاقة بين الجارية فى إطار (مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) تشبه علاقة النادى بلاعبيه، الذين يتولى تدريبهم كأشبال، وعلاقة المنتج بالفنانين الذين يفتح لهم باب الشهرة، وعلاقة الشركات الكبرى التى تفتح الباب للنابغين من العاملين بها للبحث العلمى إلى درجة الحصول على الدكتوراه لتطوير منتجاتهم»، فلا يقال إن ناديه «يبيعه» لنادٍ آخر، وهو فى الحقيقة لا يبيع جسمه، لكن يبيع فنه، أى العمل. لا يكون هناك استنكار لعبارات أن النادى يبيع اللاعب الفلانى بكذا من المال ويشترى آخر بمبلغ كذا من المال، فإن العلاقة بين السيد وجاريته فى نظام «مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» كهذه الصورة السابقة للفنانين ولاعبى الكرة التى أشرنا إليها.
ويرى الأستاذ على يوسف أن نظام «ملك اليمين» يؤدى إلى تصفية آثار الرق، «وذلك أن التشريع الإسلامى يتضمن طبقًا لنصوص كتاب الله علاقات قانونية بين من كانوا أسيادًا ومن كانوا عبيدًا، ضمنت حقوقاً وواجبات على كل طرف من هذه الأطراف تضمن العدالة لكل طرف، فمالكو اليمين كانت لهم حقوق تجاه من كانوا عبيدًا لهم، وهى تسخيرهم فى أعمال معينة، فاعترف لهم بهذه الحقوق مقابل واجبات عليهم تجاه مملوكى اليمين».
ودخول مملوكى اليمين فى علاقة قانونية مع مالكى اليمين يعنى رفعهم من صفة «الأموال أو الأشياء» إلى مرتبة «الأشخاص الطبيعيين»، بمعنى اختفاء فكرة السائمة البشرية- التى هى جوهر نظام الرق- من المجتمع الإسلامى تمامًا، أما الحقوق الإنسانية فقد كفلت للعبيد المحررين طبقاً للمبادئ الأساسية لدستور دولة المدينة وهو كتاب الله ثم وثيقة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الدستورية.
ويمثل حق التعاقد المنصوص عليه فى الآية الكريمة «وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً» «النور:33»، وضمان الحق فى صيانة العرض والتمتع بالذمة المالية لمملوكات اليمين فى الآية الكريمة «فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ» «النساء:25»- آثارًا واضحة لتمتع مملوكى اليمين من الجنسين بالشخصية القانونية.
ومن الغريب أن ينسى أى كاتب مصرى أن مصر حكمت قرابة أربعمائة عام بفصيلين من المماليك، الذين كانوا يشترون أو يسرقون من مهادهم، بل فى بعض الحالات كان الآباء يعرضون أبناءهم للخدمة فى مصر كمماليك، لأنهم يعلمون أنهم إنما قد يحكمون مصر ويهيمنون عليها، ويروون قصة عن اثنين من هؤلاء المماليك المتطوعين، وهما راكبان جملهما وهما يتحدثان، فيقول أحدهما للآخر: ماذا تتمنى أن تكون؟ فيقول: أن أكون حاكم مصر، والثانى يتمنى أن يكون حاكم دمشق، وكان يسير بهما راع فسألاه: وأنت أيها الراعى ماذا تريد أن تكون؟ فقال: الستر.. ودارت الأيام ونال كل منهما ما تمناه، ولما تلاقيا قالا «أفلح والله الراعى».
وشيد هؤلاء المماليك أعظم مساجد القاهرة يمثل بعضها الشموخ المعمارى، مثل مسجد السلطان حسن بالقلعة، أو الامتداد الأفقى مثل مسجد الظاهر بيبرس، الذى يستوعب الميدان الذى يحمل اسم «الظاهر».
فهذه صورة توضح لنا إلى أى مدى يصل التعقيد الاجتماعى.. إلى أن يصل مملوكان إلى مناصب السيادة والقيادة العليا فى البلاد.
كما كان لنظام الجوارى حظ فى المزج بين الأجناس، ونحن ندين له بوجود شاعرنا العظيم شوقى، فقد كانت جدته العليا صبية أسرها الجيش المصرى عندما غزا اليونان بقيادة إبراهيم باشا، وتعهدها الأتراك بالعناية، فعلموها اللغة التركية وآداب الإسلام، والقراءة والكتابة، حتى تزوجت أحد موظفى الدولة من أصول تركية أو كردية أولدها الرجل الذى سيصير والد شوقى، وكان تركيًا وهاجر إلى مصر، وولد شوقى.. وكان شوقى يقول إنه يونانى تركى كردى مصرى.
النقطة التى لم تحسم حتى الآن هى أن وجود آيات عديدة عن جواز استمتاع السيد بجاريته، والإجماع على أن المسلمين جميعًا، بل النبى نفسه، أن ذلك يؤدى لأن يكون ذلك حلالاً إلى يوم القيامة، لأن تغير الظروف يؤثر على سلامة التحليل والتحريم، ولم يكن ذلك أيام الرسول ماسًا بكرامة الإنسان، بل كان فيه نوع من التفضل عن تصرفات أخرى عديدة يملكها السيد، ودائمًا يكون الأمر حلالاً إذا كانت الظروف التى أحل فيها واحدة، أما إذا تغيرت الظروف، فإن هذا ينعكس على التحليل والتحريم.
وآية ذلك أننا نرى أن فقيهًا مصريًا إسلاميًا لا يمكن الطعن فى أستاذيته أو أمانته هو الشيخ محمد رشيد رضا يقول فى كتابه «نداء للجنس اللطيف» «كل ما كانت عليه الأمم القديمة وكل ما عليه الأمم الحاضرة من التسرى واتخاذ الأخدان فهو فى شرع الإسلام من الزنا المحرم قطعًا، الذى يستحق فاعله أشد العقاب، وكل من يستبيح هذا الفجور الخفى، وما هو شر منه من السفاح الجلى فهو برىء من دين الإسلام».
أرجو من الأخوة الذين يقدمون تعليقاتهم أن يعلموا أننا نتحدث عن الأديان التى بدأت من آلاف السنين.. اليهودية 3000 سنة.. المسيحية. 2000 سنة.. الإسلام 1000 سنة.. فكان على الأديان أن تبدأ من البداية.. ومن الحاضر والواقع.. وكان يمكنها أن تفتح الباب للمستقبل، أو أن تقدم مؤشرات له، أما أن تعيشه فهذا محال لأن كل جيل يجب أن يعيش عصره. أصحاب «الحوار المتمدن» اتصلوا بنا منذ بضع سنوات، وطلبوا أن أكتب لهم، وقد فعلت ووجدت قبولاً معقولاً لديهم لكننى لاحظت فى الفترة الأخيرة أن مستواها هبط، وأنها تستكتب مثل الكاتب المحامى المخبول الذى أخذ يستجير بإسرائيل وفرنسا وإنجلترا أن تستنقذ النساء القبطيات من اغتصاب المسلمين وتدمير الكنائس.. إلخ، وفى كلمته الأخيرة تطرق إلى الإهانة الصريحة للرسول.
فهذا ليس حوارًا ولا متمديناً.. ولا يرد عليه.
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]