هنادي محمد عبد المجيد
العلاقات الخفية
يعرف البشر الأسباب والمسببات ، ويهتمون بها ويسعون من أجل تحقيقها ، لكنهم غالباً لا يفطنون إلى ” العلاقات الخفية ” ، والعلاقات الخفية لا تستشعرها إلّا القلوب الحساسة التي فهمت أن هذا الكون مُلك وملكوت ، وأنه أوسع كثيراً من عالمنا الأرضي ، ومن محيط اهتماماتنا الضيّقة ، وماذا فعل فلان ؟ وماذا سوّى علاّن ؟ ، كون يُهيْمِنُ عليه خالق عظيم خلق الذرّة والمجرّة ، إلاه لا حد له في كماله وعظمته وجلاله ، لو عرفنا أن وراء الجدار الأصم أكفاً تدق ، وخلف الشفاه الصامتة ألسنة تلهج بالدعاء ، عالم غيبي عامر بمخلوقات لا يُنقص من وُجودها أننا لا نراها ، كما لا ترى العين الأشعة تحت الحمراء – ولم يعنِ ذلك عدم وجودها – . أو كما لا تسمع الأذن إلا مدى محدوداً من الأصوات ، وإلا لسمعنا دوران النجوم ، واحتراق الشهب ، وتسبيح الملأ الأعلى .
ومنذ أيام قليلة نشرت قصة – القدر والدعاء – وكانت تتحدث بلسان سيارة قرأت في ” كتاب الأقدار ” أن سائقها سيموت في حادثة ، لكن الحادثة لم تحدث مما أدهش السيارة ، وتبين أن الهبة التي منحها للخادمة العجوز ، والفرحة التي أدخلها على قلبها ، والدعاء الذي رفعه للسماء ، كل ذلك أنقذه من مصير مفزع ، أنقذه وهو لا يدري .
كلنا لا ندري ما الذي يُخبّئه لنا ” كتاب الأقدار ” ، من أدراك أنه كان مكتوباً أن تتعثر في الطريق وتنكسر ذراعك ! من أدراك أنه كان مكتوباً أن تصطدم سيارتك ، أو يتغيّر قلب رئيسك ويفصلك من العمل ! أو تمرض أو تفلس أو يموت ولدك ! ثم ما أدراك أن عملاً صالحاً أو دعوة رفعتها إلى السماء بإخلاص أو ابتسامة في وجه عجوز أو نجدة قدمتها لملهوف قد غيّرت من كتاب أقدارك ! ، أسباب كثيرة حقاً تنادينا إلى فعل الخيرات ليس فقط لأن الخير حسن في ذاته ، أو لأن الله جل جلاله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، ولكن من أجل خلاص نفسك ، ليس يوم القيامة فحسب ، بل من أجل الغيب المرهوب الذي لا ندري ما يخبئ لنا غداً .
ويبقى أن أشير إلى أنّ ” العلاقات الخفية ” قائمة فيما يخص الأوطان ، أيضاً ، لقد قرأت بعناية تاريخ حرب أكتوبر وفي المقدمة موقف السادات منها ، وكان يعرف أننا لو هُزمنا ، فإن الوطن لا يتحمل هزيمة جديدة ، وعنقه سيُقطع غداً ، كان خائفاً ، وكان وجلاً وكان قلقاً ، لكنه حين تم العبور وتحقق المستحيل الذي لم يجرؤ على تخيّله ركبه الغرور ، وأصبح يقول ” جيشي ومعركتي ” فجاءه العقاب على الفور وحدثت الثغرة .
لو تواضعنا فقط لله عزوجل ، لو وضعنا خدنا على التراب وبكينا ، لو أقر المخلوق أنه مخلوق وأنه ميّت لا محالة ، وأنه صغير مهما كبر ، ضعيف مهما استقوى ، زائل لا محالة ، إذاً لرحِمَنا خالقنا ، ولكن هيهات ، اشتقّ الإنسان من النسيان ، يجحد خالقه عزوجل ، وينشغل بالنعمة عن المنعم .
هذا المقال الرائع للكاتب المتميز / دكتور أيمن الجندي .
هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]