الحمد لله لسنا ألمانًا

[JUSTIFY]
الحمد لله لسنا ألمانًا

الألمان أكثر شعوب العالم انضباطا ونظاما، وكل شيء في حياتهم محسوب بالثانية والغرام ولذلك تجدهم يفوزون في مباريات كرة القدم رغم أن أسلوبهم في اللعب رتيب وممل وخال من اللمسات الفنية.. (عموما الألمان شعب دمه ثقيل، وأتحداك لو سمعت نكتة ألمانية المنشأ.. في حين أن هناك آلاف النكات عن الألمان)، وقد أدهشني تقرير يقول ان عدم التقيد بالمواعيد بين الأزواج والزوجات أدى إلى ازدياد معدلات الطلاق في المانيا.. ولا أدري لماذا يعطي الزوج زوجته موعدا أو العكس! أو كيف «يتواعد» زوجان!! هل يرسل الزوج – مثلا – رسائل هاتفية نصية إلى زوجته: نتقابل في المتنزه الساعة 7 مساء بس أوع أمك وأبوك يعرفوا بالموضوع!! ربما المقصود بعدم التقيد بالمواعيد ان احد طرفي الزواج لا يلتزم بالجدول الزمني الصارم للوجبات او الخروج للتسوق أو الفسحة.
والحمد لله ان العرب ليسوا ألمانًا، وإلا لما بقي فيهم شخص متزوج.. تقول لزوجتك: متى سنذهب إلى الجهة الفلانية؟ فتقول لك: بعدين، وهذه أسخف كلمة في القاموس العربي العامي، فهي مطاطية وليست لها معنى او دلالة معينة، وحتى تركيب حروفها سخيف من الناحية اللغوية: عرفنا «بعد» ولكن من اين أتت الياء والنون اللتان تم إلحاقهما بها؟ وتسألك هي: متى ستأخذني إلى بيت أمي؟ فيكون الرد: بعد المغرب، يعني قد يحدث ذلك في السابعة مساء أو الواحدة بعد منتصف الليل! ومتى ستشتري لي الخاتم ؟ لما ربنا يسهل.. يا حبيبي كل شيء يحدث بتسهيل من ربنا فهل من الممكن ان تعطيني إجابة دقيقة؟ حاضر: أول الشهر، وأول الشهر يتألف من أكثر من سبعة أيام، مع الأخذ في الاعتبار أن عبارة «أول الشهر» لا تحدد الشهر المعني من بين الشهور الاثني عشر.
وهكذا نحن نقتني افخر الساعات ولكننا نستخدم مناسبات وانشطة معينة لتحديد مواعيدنا التي تكون دائما «بعد كذا» بعد العشاء.. بعدما نقبض الراتب.. بعد العيد.. بعدما تشوف حلمة أذنك.. وهناك بين الخطيب والخطيبة مواعيد من نوع أعجب: متى سنفعل هذا الشيء أو ذاك؟ بعد الزواج.. يعني قد لا يحدث ذلك الشيء لعشر سنوات بعد الزواج.. لأن إنجاب ستة أطفال يعتبر أيضا «بعد الزواج»، وبالتالي يمكن تأجيل فعل ذلك الشيء إلى ما بعد إنجاب الطفل الثامن! وفي أماكن العمل يكون كل شيء «بعد ما يرجع المدير».. والمدير «يرجع» نحو عشرين مرة في السنة، وأنت وحظك، فقد تصادفه في أحد الرجعات، إذا لم يقل لك السكرتير «بعد الاجتماع»، وتأتي بعد الاجتماع وتكتشف أنه دخل في اجتماع آخر مهم (وهو لا مهم ولا بطيخ بل هو يناقش نتائج مباريات دوري كرة القدم مع عدد من كبار المنافقين الذين يشجعون النادي الذي يشجعه المدير).
وحكوماتنا أيضا لا تعرف التقيد بالمواعيد، فالرفاهية وتحسين الاحوال المعيشية سيكون «بعد إنجاز المشاريع التنموية»، والخطة الخمسية تكون محظوظة لو صارت خمسينية، وحرية التنفس والكلام «بعد التحرير» والتحرير بعد التعمير.. والتعمير عايز فلوس، والفلوس عند البنك الدولي، الذي عايز كفيل، والكفيل عايز «نسبة» والنسبة «تبوظ» الحسبة.. وهكذا يبقى المستقبل الموعود مؤجلا.
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version