وحينما لم يتحقق له هذا، قامت مجموعة من حزبه بقيادة خليل إبراهيم وأسست حركة العدل والمساواة لتكون إضافة لتمرد دارفور بقيادة عبد الواحد محمد نور وأركو مناوي. والترابي نفسه كان يطلق تصريحات اعتبرتها السلطات أعواد ثقاب للفتنة وكان بسببها يزج في السجن. مثلاً كان يقول :«أشكروا لإخوانكم في دارفور فإن الحريات لا تأتي لا بحلم السلاح».
ومثل هذه التصريحات تفهم السلطات وغيرها أنها تقود إلى تأليب بعض المواطنين مما يتسبب في نسف الأمن والاستقرار. وإذا كانت «المفاصلة» مسرحية، فإن نتائجها إذن عكسية وسيئة جداً. وكذلك إذا كانت فعلاً مسرحية، فإنها بالفعل مطلوبة لمعالجة مشكلات السياسة الخارجية للسودان. وإذا عاد الترابي إلى إخوانه بعد انتهاء المسرحية ذات الفترة الطويلة، فإن الحكومة ستحتاج إلى أخرى، لذلك أفضل لها أن تستمر هذه المسرحية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. فالبلاد كذلك مع الحكومة دائماً في حاجة إليها.. غير إنها تسببت في ما تسببت فيه.. ولا ننسى قتل الطالبة في مرحلة الثانوي بالفاشر «رشا عبد الله» التي سقطت ضحية تظاهرة أشعلها المؤتمر الشعبي، ولا ننسى إطلاق النار على الشرطة من تظاهرة خرجت من جامعة السودان بعد ندوة تحدّث فيها القياديان بحزب المؤتمر الشعبي إبراهيم السنوسي و «وقتها» بدر الدين طه، والأخير طبعاً خرج من حزب الترابي ضمن موجة الخروج التي انتظمت الحزب.
والسؤال هنا هل الذين خرجوا من حزب الترابي وهم في قامات محمد الحسن الأمين وبدر الدين طه والحاج آدم يوسف، هل كان خروجهم تعديلاً في سيناريو المسرحية؟! وهل مثل كمال عمر بطل من أبطالها أم كومبارس أم «موظف نافع» وإن شئت قل «م. ن»؟!
ثم يأتي خبر تشكيل لجان حزب الترابي للتفاوض مع المؤتمر الوطني، وهو يتضمن خلاف شعار إسقاط النظام الذي طالما ردده الأوّل من خلال أمينه السياسي كمال عمر. ويقول نائب أمين عام الحزب عبد الله حسن أحمد إن حزبه عكف على تشكيل لجان لدراسة ووضع مبادرة للدخول في مفاوضات مباشرة مع الحزب الحاكم. والسؤال هنا هل هذه المفاوضات تأتي إسدالاً لستار المسرحية أم اليأس من إسقاط النظام جاء إلى بقية عضوية الحزب متأخراً بعد أن أصاب المجموعة المهمة التي خرجت فرادى؟!
إن واشنطن في بداية الأمر كانت تود أن يحكم السودان المتمردون، لكن حينما رأت أن آفاقهم السياسية ضيقة جداً وانهم سينهزمون من الجماهير، تركت السودان وشأنه من ناحية الحكم، وأبقت على العقوبات وتمويل المتمردين لزعزعة الاستقرار، وفهمت أن ذهاب عمر البشير وعلي عثمان يعني مجيء الصادق المهدي والميرغني، وهي تنظر إليهم من زاوية ما يمكن أن يدل عليه المثل السوداني القائل «كله عند العرب صابون». والحركة الإسلامية وحزب الأمة والاتحادي الديمقراطي كل هذه الكيانات في نظر أمريكا مهيأة لخدمة الإسلام على حساب العلمانية والعولمة والصليبية العالمية والصهيونية.
لذلك لا داعي ليكون مصير حكومة البشير مثل مصير حكومة صدام التي هددت وجود إسرائيل وبثت التفاؤل في نفوس المسلمين بسحق إسرائيل حقيقة لا شعارات نفاقية، وقد وصلت صواريخ صدام إلى عمق الكيان الإسرائيلي. لكن ألا يعني إنهاء مسرحية المفاصلة استعداء الغرب بصورة أسوأ؟!. أي هل انتفت دواعي المسرحية؟!
صحيفة الإنتباهة
ع.ش