عصام الحسين: خطاب البشير : دواعي النظم .. ومحاذير الترك !

صرف النظر عن إضافة حرف لمجاهدات نظم الكلام المقروء، والزهد في الكتابة خشية التكرار وعدم العودة بطائل ـ فيما يتعلق بالوثيقة رفيعة المفردة والموغلة في بحر اللغة، التي ألقاها البشير على مسامع رهط من الوجوه المهمة ـ كانا داعمين لقرار الترك.. ثم هأنذا أنكص، وأجيء بحرف لا ينفك عن سائر شعاب الاعتقاد، خاصة وأن ما تردد عن مظان استبدال الوثيقة في الدقائق الأخيرة بأُخرى.. جعلت من الترك فكرة عقيمة.

اعتقادي أن الوثيقة ـ في أقرب الشروح ـ تُعوّل على لوازم المرحلة ومطلوباتها، وتسعى لإقامة قواسم مشتركة يمكن البناء عليها وإزالة التفاوت والخلاف في أمر إدارة الدولة والهوية برفق وتدرج، وبعيداً عن الغلو والتعقيد، فالوثيقة خطاب فكري جامع لمضامين وكليات قضايا «السلام ووقف الحرب، وإطلاق الحريات، والوثبة من الفقر للقوة المستطاعة وإنعاش الهوية السودانية» وتُعد مِنصة للانطلاق إذا تبعتها شروح وتفاصيل، وتلتها مصفوفات تُحدد القضايا التي تلي الحزب والدولة.

ودواعي التفاؤل مرده إلى بذر بذرة في أرض بكر ظلت بور زهاء الربع قرن، ومن المنظور أن تُنبت نواة للإصلاح السياسي الشامل.. كما أن التطور في المواقف أيضاً يدعو للتفاؤل: إذ كانت تتمسك الحكومة بممارسة الإصلاح من خلال مؤسسات الحكم، إلا أنها احترست أيما احتراس من جرثومة التعنت، في ظل اعتقاد البعض أن الحكام مهما حسُنت نواياهم فهم أبناء البيئة السياسية والاجتماعية، وأن الإصلاح لا بد أن يقوم على ركيزة شعبية ذات مقدرة وشوكة تحميه وتغذيه، وليس بجز الرؤوس حين يقود اليأس إلى إصلاح الحال بالأسلوب الخطأ.

ولم تخرج الوثيقة ـ في كلياتها ـ عن دعاوي واشتراطات القوى السياسية لتجاوز الأزمة الوطنية، والمتمثلة في «إلغاء كل القوانين المقيدة للحريات وإطلاق سراح المعتقلين والمحكومين والأسرى، ووقف الحرب والشروع الفوري في مفاوضات غير مشروطة لإنهاء القتال مع الحركات المسلحة، وقيام وضع انتقالي كامل يجسد الإجماع الوطني كخطوة نحو الإصلاح السياسي والدستوري» ما يتطلب تخلي القوى السياسية المعارضة عن التعالي والشعور بالقيادة والتقدم في التفكير، لاعتبارات أن من هم دونهم يطرحون بدائل زائفة، كوصفهم لخطاب البشير بأنه: بائس شكلاً ومضموناً! أما الذين استجابوا للنداء ـ لجهة أن الحوار هو أحد وسائلهم ـ فقد أردفوا الوثيقة بجملة مطالب منها خلق آليات واضحة وجدول زمني لتنفيذ محاورها، فضلا ًعن الدفع بقرارات أكثر تأثيراً لصالح الوفاق الوطني. وهؤلاء أحسوا بالخطر، وارتأوا ألا فكاك بغير ترتيب البيت من الداخل في ظل الهدنة القصيرة التي فرضتها الظروف على محيطنا الإقليمي والدولي.

إذن فقد انقسم الناس ـ بفعل الوثيقة ـ إلى فريقين: فريق يغالي بالوطنية الزائفة، وآخر عقلاني يرى أن الوطنية هي تقديم درء المفسدة على جلب المصلحة، وبينهما زخم وهياج وطبول تُدق وخيول تُهرول نحو الهاوية.

حـــــالة .. وطـن
عصــــــــــام الحسين
[email]esamalhseen@yahoo.com[/email] 2/ فـــــــبراير/ 2014م

Exit mobile version