لو سلمنا ، جدلاً ، بإحتمال صحة السيناريو فإن هذا سيضع في رقبة الترابي و البشير و علي عثمان الذين نسب الكاتب “المخطط” إليهم أوزار لا قبل لهم بإحتمالها ، فهو يصورهم كمن إتفقوا على هش ذبابة من على جسد النظام بالمدافع الرشاشة . كيف يمكن لعاقل أن يتصور إمكانية سيناريو كهذا ؟ فالمخاطر لم تكن في لحظة المفاصلة بالحجم الذي صوره قلم إسحق إذا قسناها إلى ما مرت به الإنقاذ من ضغوط و حصار و مخاطر منذ وصولها إلى الحكم . و حتى إن كانت هناك مخاطر جدية في ذلك الوقت فليس من الحكمة أن تُعالج بهذا السيناريو الساذج و الخطير و المؤلم ، كيف لعاقل أن يتصور أن يتفق الكبار على إدخال قواعدهم و كوادرهم في حالة صراع حقيقي و مؤلم و تنشأ بسبب ذلك عداوات و إحن و بلاوي لمجرد أنهم يريدون أن يصدوا عن النظام هجمات من الخارج ، كيف يمكن أن تواجه هجمة الخارج بإشعال الداخل ؟!
يقول الكاتب ( وفي المسرح.. المسرحية الجيدة تجعل المشاهد يتوتر للخطر ويغضب للخيانة.. ثم البطل والخير كلاهما ينتصر.. والمشاهد يتنهد في راحة.) . و هذا استسهال و تبسيط للأمور بل إجرام ، فالمشاهد الذي يتنهد في راحة يفعل ذلك و هو يعلم أنه يشاهد مسرحية ، و المقارنة لا أقول غير جائزة بل هي جريمة كاملة الأركان . فالمسرح هنا كان مسرح الحياة و الواقع و السلاح و السجون ، فمن الذي سيعتذر لمن كره أخاه بسبب هذه المسرحية ؟ و من سيعتذر لمن قاطع أخاه حتى أتاه خبر وفاته و كان حتى قرار الذهاب للتعزية يحتاج لتفكير ؟ و من سيعتذر لمن فقد حياته من هذا الطرف أو ذاك و هو لا يعلم أنه كان و بإخلاص تام ينغمس في مسرحية ملعونة تجعله قاتلاً و مقتولاً ؟ من سيعتذر لمن راكمتم في دواخله طبقات من العداوة سواء لأبطال المسرحية أو كومبارساتها ؟ ثم هل في خداع المعارضة بهذا الشكل بطولة ؟! و كيف يمكن التأسيس لمرحلة تعافي و تصالح وطني في ظل الإعلان عن مسرحيات كهذه ؟ و من أعطى القادة الحق في التلاعب بمصير الملايين في مسرحية ستجعلهم مغيبين تغييب كامل و مؤذي مع سبق الإصرار و الترصد لما يقارب الخمسة عشر عاماً ؟
يقول الكاتب ( بينما غياب الشيوعي والبعث.. وعدم دعوة هذا وهذا.. شيء يصبح سطراً في الخطاب) و هو يعلم أن مسؤولي الحزب الحاكم أكدوا أن الدعوة لم تسثنِ أحداً و أنه ليس من الحكمة تهديد قوى اليسار بأن الحوار سيستثنيهم و أنه سيكون فقط لتشكيل جبهة لمواجهتهم .
و يقول ( مرحلة تصميم الانشقاق بحيث يبدو شيئاً ينبت من جذور حقيقية صادقة ) هذه الجملة تكشف إما أن شيخ إسحق يعوزه الذكاء أو أنه يشك في ذكاء القارئ ، فكيف تُرتٓكٓب البلاوي و بأيدي أبناء الحركة الإسلامية ضد بعضهم البعض لإقناع العدو بجودة حبكة المسرحية ؟! هل أصبحت المسرحية هدفاً لذاتها ؟ و لتجويدها تٌسترخَص الدماء و يُفتح باب العداوات على مصراعيه ؟ ثم يحدثنا إسحق أنهم قرروا إنهاء المسرحية بسبب المخاطر الخارجية ؟ ما الذي يجعل المخاطر الخارجية في السابق أمراً لا يمكن مواجهته إلا بتلك المسرحية ، و الآن يتم مواجتها بإيقاف المسرحية ؟ و ما الفائدة من الإعلان عن المسرحية ؟ ألم يكن الأفضل هو إكمال حلقتها الأخيرة دون إعلان حتى تكتمل الحبكة و يأتي الشعبي و معه المعارضة ؟ ما الفائدة التي تعود من تشكيك المعارضة بصدق الشعبي في إنتمائه لها ؟ و ما الفائدة التي تعود على النظام من إظهاره في صورة المراوغ الذي لا فائدة من الإستجابة لدعوته الآخرين للحوار ؟
الأسئلة لا متناهية و كما قيل فإن توضيح الواضح هو مضيعة للوقت ، و لكن السؤال هو : هل يعي إسحق خطورة ما يقول ؟ إن ما يقوله يرسل عدة رسائل ، سواء عمداً أو سهواً ، فللخارج يقول خدعناكم عدة مرات و سنظل نخدعكم على الدوام ، لا تثقوا فينا و لا تستجيبوا لدعواتنا لرفع ضغوطكم عنا ، و للمعارضة غير الإسلامية يقول شيئاً مماثلاً و يضيف لا تستجيبوا لدعوة الحوار . و للشعبي يقول سنحرجك من حلفاءك و نعظِّم الثمن الذي ستدفعه إذا أقدمت على المصالحة …. الخ .
أخشى أن يكون ما يكتبه إسحق هو محاولة لقطع الطريق على مساعي الحوار الوطني الشامل ، و أخشى ، و لا أتهم ، أن يكون إسحق ، من حيث لا يدري ، هو أحد أدوات المخابرات الأجنبية التي يحذر دائماً من مخططاتها .
الأسئلة أعلاه ليست موجهة لثلاثي الترابي و البشير و علي ، فهم مخطئين بالمفاصلة الحقيقية و ما نتج عنها ، و لا يكفر عن أخطائهم إلا حوار شامل جدي لكل أبناء الوطن يكون حصاده لمصلحة الجميع ، و لكنها موجهة لشيخ إسحق الذي يريد أن يحملهم خطاً مضاعفاً بحديثه عن المسرحية ، و لضميره : هل يرى أن الثمن الباهظ الذي تم دفعه يمكن عده شئ عادي كان ضرورياً “للمسرحية الجيدة” التي بنهايتها “يتنهد المشاهد في راحة ” ؟ سيتنهد المشاهد في راحة مشوبة بالأسى على ما فات لو أن المتفاصلين علموا المخاطر الناتجة عن مفاصلتهم الحقيقة و فتحوا صفحة جديدة للتعافي الوطني الشامل .
إبراهيم عثمان – مكة المكرمة