ذهبوا وفى حلوقهم غُصة بمفارقة الأهل والعشيرة منهم من أكمل دراسته وآخر أتته الفرصه تسعى للذهاب فاغتنمها وهو لا يبالى ما دام سيتحقق ما يحلم به عبر بوابة الهجرة وقد أشرعت لهم أبوابها على مصراعيها للدخول، دخلوا عالمها وهم يُمنون النفس بالانتقال وأسرهم الى حياة فيها بعضاً من رفاهيةً افتقدوها فى وطنهم ..
هاجروا وانتشروا فى مهاجرٍ شتى ثم عادوا وقد تجاوزوا محطات الفقر الكئيبة الى غيرها واكتسبوا مع ما حصدوه من أموال مزيداً من الخبرات و تشبعوا بثقافة مهاجرهم وثقافة من وفدوا اليها من دول أخرى ..مع نقلهم بعضاً من ثقافتنا ومفرداتنا وجميل موروثاتنا للآخر مع رسمهم صوراً زاهية عن السودان ما زالت موجودة فى مخيلة من هاجروا اليهم ..
منتصف سبعينيات وثمانينيات قرننا الماضى كانت الهجرة حُلم الجميع والخليج يَفرِد يديه مُستقبلاً هذا الوافد ومُرحِباً به وقد أغدقوا عليهم من مالهم ما يوازى جهدهم الذى بذلوه لهم ربما أكثر وعند حسن ظننا وظن أهل الخليج وغيره من الدول كان السودانى مثالاً للصدق والأمانة والقناعة ، تغيرت جغرافيا القرى والأرياف والمدن بهم وانتشر بين الأسر ما لم يكن متوفراً من قبل من معدات كهربائية ومنازل حديثة وسيارات وغيرها من كماليات وأساسيات المنازل استجلبوها هؤلاء ومصاريف لدعم مسيرة الإخوة الصغار فى الدراسة وتوفير فرص لكل راغب بالهجرة ودعم مباشر للاقتصاد الوطنى بفضل تحويلاتهم ومدخراتهم من العملات الحرة التى كانوا يضخونها فى الخزينة العامة عبر طرق ووسائل شتى..
عام واحد من مجئ الانقاذ تغيرت الأوضاع إذ اجتاحت العراق الكويت وانقسم العالم الى فريقين فريق يؤيد الاجتياح وأخر يُدين ولا ندرى مع من كنا نحن والواقع يؤكد أن الخليج على خلافٍ معنا فى موقفنا مما كان سبباً فى افساد العلاقة بيننا والغرب الحليف الرئيس للكويت ، عاد أبناء السودان قسراً بعد أن أمضوا زهرة شبابهم هناك وقد أبلوا بلاءً حسناً فى خدمة أهلهم ..عادوا وهم بلا شئ سوى قليل متاع خرجوا به من لهيب الحرب وسيارات مستعملة كانوا يستخدمونها هناك لا قيمة لها فى يومنا هذا ومنهم من جاءنا خالى الوفاض وقد كبُرت الأسر مع عِظم مسئولياتهم وهم كما ذهبوا أول يومٍ عادوا وقد تركوا ما لديهم وراءهم…
تبنت الأمم المتحدة قضيتهم فى ما يخص تعويضاتهم وما لهم من استحقاقات وقد نالوا نصيباً منها ووعدوهم بالمزيد فانتظروا من وقتها ولم يزالوا يحلمون ببقيةٍ من شئ…
هل لديهم ما ينتظرونه وقد شاخ بعضهم ومنهم من ذهب الى عالم أخر غير عالمنا هذا ينتظرون رحمة من ربهم ودعوة صادقة منكم وقد زهدوا فى ما عندنا طمعاً فيما عند الله..؟
أما من أحدٍ يستطيع أن يجيبهم بردٍ قاطع يُريحهم من مشقة الانتظار هل لهم بقية من تعويضات أم لا والامم المتحدة عنها تتحدث..؟
وقد طال الانتظار…
زاهر بخيت الفكى
بلا أقنعة..
صحيفة الجريدة السودانية