والسؤال الذي يفرض نفسه لماذا هذا العداء المصري اتجاه السودان ؟ ولماذا هذا التعالي والكبرياء والنظر الدونية للسودانيين ؟ لماذا هذا الهجوم الإعلامي المصري المتواصل مع السخرية والإزدراء على مر السنين ؟ عادة يكون سبب الكلام الفاحش والبذيء لردة فعل من تصرف مشين أو قول ضدك، فتثور نفسك لتثأر لما سمعته من إيذاء ! ماذا فعل السودانيون حتي يقابلون بهذا الجحود المصري ؟! لماذا دائماً نحن في حالة الدفاع عن كرامتنا والرد على هذا الإهانة والسخرية ؟ والمطالبة برد الإعتبار؟ لماذا لا يتعالي المصريين على الدول الخليجية ودول المغرب العربي والعرب عموماً ؟ لا ينكر أي عاقل مشروعية هذه التساؤلات وغيرها التي تحاول أن تحط من قدر السودانيين !ولكن سنحاول أن نتلمس أسباب هذه الغيرة والحقد المتوارث عبر التاريخ.
في مخيلة أي مصري إن السودان كان جزء من مصر وبصيغة أكثر وضوحاً مصر كانت محتلة السودان ؟! وهذا مصدر سعادتهم التي لا توصف وتباهيهم في السر والعلن، بل يفتخر أي مصري بهذا المورث التاريخي في كل مناسبة وحتي من غير مناسبة، ويخيل لهم بهذا التاريخ المزيف سيادتهم المطلقة على السودان ويرجح علو كعبهم ! وللأســف الشديد هذا الإدعاء يوافقهم عليه بعض شواذ الشعب السوداني – الأوصياء – على مصر في السودان ؟! وهو إعتبار غاية الأهمية غاب عنهم في خضم صراعهم مع الآخـــر السوداني حول أضحوكة وحدة وادي النيل ومصر أم الدنيا والذين ينادون بإعادة تقسيم مياه بعدالة ووضع حد لهذا الإستهتار المصري؟! حتي بدأ لهم مصر بالنسبة للسودان كالروح للجسد والأوكسجين الذي يتنفسه، وساهم في تتثبث هذ المفهوم المناهج التربوية السودانية “الممصرنة”.
والحقيقة المصريين هم الذين كتبوا ومازلوا يكتبون عن تاريخنا ؟ وهنا لا نسجل لهم حتي صوت عتاب ! ولكن لماذا هذا التسليم المطلق بهذه الحقائق المصرية المزيفة والتي تدرس من جيل إلي جيل، كحقائق مشوهة ومعلومات مغلوطة لأطفال المدراس والجامعات عن مجد مصر وعظمة تاريخها، وتغيب تام للإرث الوطني من ثقافة وتاريخ ضارب في أعماق الجذور !. ولكن الحقيقة التي يحاول يتجاهلها كل مصري هي إن مصر على مر تاريخيها لم تقوي على إحتلال السودان بل العكس صحيح مملكة كوش السودانية النوبية حكمت مصر أكثر من 250 سنة في عهد الارا النوبي أول ملوك الأسرة الخامسة والعشرون النوبية، وبسطت سيطرتها الكاملة على مصر وفرضت ثقافتها وحضارتها العظيمة التي ضرب صيتها الآفاق وعم أرجاء الكون.
وهي أول من بني الأهرامات والمعابد في التاريخ القديم وأول من إبتكرت صناعة الفخار والتعدين والصناعات الحديدية وآليات الري والزراعة ، وتعتبر أول مملكة في التاريخ تؤسس لاقامة دولة مدنية بمفهونا اليوم، هذه الحقيقة التي يتجنبها الإعلام المصري والنخب المصرية ؟ لأنها إرث سوداني وعليهم مسحه من ذاكرة الوجود؟!. مع العلم لولا مملكة كوش لما كان للمصريين تاريخ بين الأمم، وإهرامات تفتخر بها، لأن الحضارة النوبية وأصلها السوداني هي التي شيدت إهرامات مصر من فكرة الإهرمات السودانية القديمة، ذكرت البروفسوراليانورة كورميشيفا في كتابها :”عالم الالهة فى مروى” اهرامات السودان عددها يفوق 230 هرما! وضعت السودان فى المركز الاول عالمياً من ناحية العدد تليه مصر فالمكسيك
علماء اجلاء في قامة رايزنر، وكروفورد، بيتر شيني، فانتيني ووليام آدمز ، بروفيسور شارلس بونيه، وديريك ويليسبي، وريتشارد لوبان ،البروفيسور كلود وغيرهم كثير أثبتوا الحضارة المصرية تدين بالفضل للحضارة النوبية السودانية ولولاها كانت مصر اليوم مجردة من هذا الإرث الذي تفتخر به وتنسبه لنفسها. اما الأكذوبة الكبري هو إدعاء المصريين إحتلال السودان ؟! في مارس 1896 يقول التاريخ المدون بأيدي مصرية : ” زحفت الجيوش المصرية إلى السودان تحت قيادة القائد البريطاني لورد هربرت كتشنر لإعادة استعماره تحت التاجين المصري والبريطاني” ويضيف :”تم وضع السودان تحت إدارة حكم ثنائي بموجب اتفاقية عام 1899 ، بين إنجلترا ومصر التي نصت على أن يكون على رأس الإدارة العسكرية والمدنية في السودان حاكما عاما إنجليزيا ترشحه حكومة إنجلترا ويعينه خديوي مصر. وتمتع الحاكم العام بسلطات مطلقة في إدارة السودان”.
أرجو من القارئ الكريم أن يتأمل مليئاً في هذا النص المقتبس ! كيف لـ دولة محتلة ومغصوبة الإرادة أن تحتل دول أخري ؟ كان الواجب عليها التحرر من الإستعمار أولاً ومن ثم التفكير فمن تستعمر ! والطريف في الأمر “زحفت الجيوش المصرية” ولكن تحت أي قيادة وأي سيادة ؟ تم إستخدام المصريين كخدام للإنجليز ليس أكثر، ويكونوا دروع بشرية لأن مقتل غردون أوجس في نفوسهم الرعب، وحتي إدارة السودان وقتها كانت للحاكم البريطاني فهو الآمر الناهي للخدم المصريين أولاً والسودانيين المستعمرين ثانياً، وحتي تعين الحاكم من قبل الخديوي مسألة تشريفة لان الترشيح يكون من الحكومة الإنجليزية وما على الخديوي إلا البصمة ؟
نواصل بإذن الله الجزء الثاني
بقلم: السر جميل