فرضية التدخل الأجنبي والبدائل المزيفة في السودان

[JUSTIFY]أكد الأمين السياسي لحزب المؤتمر الوطني “الحاكم” بالسودان مصطفى إسماعيل، أن خطاب الرئيس عمر البشير الذي وجهه للشعب السوداني الأسبوع الماضي، لم يأت بسبب أي ضغوط خارجية أو داخلية نتيجة لأزمة بسبب الحروب والتمرد، مستشهدا-في هذا الصدد- بتحقيق القوات المسلحة النصر في جميع جبهات القتال، وجاء ذلك علي خلفية ما ورد في إفادات قدمتها الخميس الماضي الهيئة العامة لتحالف المعارضة لخطاب السيد الرئيس.

واتهم أبو عيسي جهات أجنبية لم يسمها بأنها تعمل علي الحفاظ علي النظام لأنه ينفذ مصالحها بالتخطيط لبدائل زائفة واستيعاب البعض في العملية السياسية مشيراً الي أن خطاب البشير بائس شكلاً ومضموناً وأصر فيه علي إنكار الأزمة ومسبباتها ووسائل تجاوزها ويؤكد ان النظام بلغ مرحلة متدنية من الإفلاس ويريد أن يلتف علي هذه الأزمة باسم الحوار”.

ومن هذه البدائل الزائفة تنطلق الرؤية التحليلية لدي هيئة المعارضة لمستقبل النظام الحاكم في البلد والمؤامرة التي تشترك فيها بطبيعة الحال جهات أجنبية لم يسمها تراهن علي الخط السياسي للمؤتمر الوطني لأنه يلبي “حاجاتها السياسية والأمنية” في المنطقة حتي وان تم تغيير ” ديكوري خارجي” علي المسرح مع وضع لمسات خفيفة علي ” أقنعة الشخوص”.

وكان من الممكن أن تطرح هيئة المعارضة “البديل السياسي” الذي وبحسب وجهة نظرها يحقق ” تطلعات الشعب السوداني” من غير ان تلجأ لحياكة ” حيل منطقية” لتبرير موقفها الرافض لما يطرحه هذه الأيام الحزب الحاكم من ” أفكار سياسية
للإصلاح” وهذا ليس جديداً في أدبيات المعارضة السياسية في أي بلد بالعالم الثالث أو في داخل الاتحاد الأوربي نفسه.
ليكون منطق ان الحكومة السودانية تعمل وفقاً ” لتعليمات” جهات أجنبية مردوداً ومن القراءة الأولي للاتهام ويبدو أن ” الولع بصيغة الدعوي القضائية” قد اثر بشكل كبير علي إفادات الأستاذ فاروق أبو عيسي ، وتعكس تركيبة الجملة الاعتراضية الطويلة تلك السببية الساعية بإلحاح شديد لوضع المؤتمر الوطني في صورة المطارد دولياً والمخترق استخباراتياً.

وكم كان سيكون مفيداً لو ان تم تقيم شرح مفصل حول طبيعة هذه ” الوصايات الأجنبية” التي تتحكم في قرارات الحكومة السودانية وهذا يسهم في تفسير الفكرة الغائبة في كيفية بناء ” علاقات خارجية” بالتخلص من الخلفيات الفكرية التي ربما تحول دون حدوث هذا الارتباط العلائقي الذي يمكن ان يجد مبرراته السياسية حتي وان كان ” تحت التربيزة”.

لكن ان ينفصل السياسي عن خلفياته الفكرية ويقع في التناقض المكشوف فهذا لا يفسر إلا بأن هناك ” أوراقاً تم خلطها” لان الطبيعي ومنذ عام 1991م ان الولايات المتحدة الأمريكية لا تبادل الخرطوم أي ” ود سياسي” يجعل من المعقول وبعد “24 عاماً ” تدخلها مقبولاً لصالح هذه المعارضة التي تقدم احتجاجها الضمني لتأخر هذا التدخل الأمريكي.

وهذا بدوره يفسر ضعف الإقبال علي الأحزاب من قبل الجمهور ويقلل من قيمتها المهمة في المجتمع المدني لأنها لا تتحرك باتجاه الحلول السياسية الوطنية التي تعتمد كلياً علي هذا الفرد الاجتماعي بإتباع “أساليب المقاومة” القائمة علي التوعية والتنوير المستمر وقوة الأحزاب ومصادرها الحقيقية تأتي من علاقتها بهذا المجتمع الذي تنوي تغييره.

والثابت ان الولايات المتحدة الأمريكية وكل المنظومة الأوربية لا تتعاطي مع الأنظمة الحاكمة في بلدان العالم الثالث بنفس منهجية التضاد المستدام لأغراض أيديولوجية كما كان يحدث في فترة الحرب الباردة ، لان التغيير السياسي العنيف ي السودان تحديداً وعبر تدخل أجنبي لا يخلف نتائج سياسية سيكون من المتوقع السيطرة عليها لاحقاً بهذه البساطة.

ليكون القول بأن الأمريكان يراهنون علي ” تفكيك تدريجي سلس” لنظام الرئيس البشير استهلاكا سياسياً يعكس مدي التدهور الفكري والأيديولوجي في المستوي الراسي لهذه الهيئة التي تقود المعارضة السودانية لأنه ليس من المطروح في أدبيات اليسار و”الشيوعيين” تحديداً أنهم كانوا في انتظار حل أمريكي لمشكلة الحكم والسلطة في السودان طوال تاريخهم.

لكن الراجح ان الخطوات التي كانت معدة في السابق لكي يكتمل نصاب هذا التدخل الأجنبي لم تكتمل بالرغم من ان الاستنزاف العسكري الذي عانت منه هذه الحكومة سنين طويلة كانت تكلفته باهظة حتي علي مستوي المساهمات الإعلامية الدولية التي دعمت استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي صممت لأغراض شل وحصار الحكومة السودانية.

من المتوقع ان تتحاور الأحزاب السودانية وتتقارب وهذا حدث في 1976 وان تكتب اتفاقيات سلام في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق مثلما حدث في 2005م وفي الإمكان كذلك حدوث انفراج كبير في الملف الاقتصادي بالبلاد وليس مستبعداً بنفس القدر انفتاح السودان خارجياً بتخفيض الجرعة الإيديولوجية بإتباع منهج واقعية دبلوماسية مرنة إقليمياً ودولياً.

لكن الذي لا يتوقعه احد ومنذ ثورة 1917م في روسيا حتي تاريخه أن يتحول اليسار الشيوعي لكي ينتظم في المصفوفة الأمريكية للحلول المعلبة لمشكلات الأحزاب والأنظمة الحاكمة في بلدان لم تقدم بعد حجتها القاطعة في أنها تمتلك بدائل سياسية واقتصادية وأمنية تجنب هذا البلد مصير الدول التي سبقته في سكة التدخل الأجنبي المسلح بأنموذج العراق تحديداً .

صحيفة الصحافة
محمد المجمر
ع.ش

[/JUSTIFY]
Exit mobile version