الأطفال بين مدرستي البيت والشارع

[JUSTIFY]
الأطفال بين مدرستي البيت والشارع

منذ بضعة أعوام وحملة «نعم للأطفال»، المعنية برعاية الطفولة تنتظم في أركان الدنيا الخمسة (الأركان الأربعة المعروفة وأمريكا التي تعتبر نفسها ركنا قائما بذاته)، ما عدا أفغانستان طبعا، ففيها لا يسمع «نعم» لا طفل ولا كهل، لأنهم جميعا مصابون بضعف السمع بسبب عيشهم لسنوات متصلة وهم يسمعون الموسيقى التصويرية التي تعزفها القوات الأمريكية وطالبان وكلها من طراز: بوووم… ططططط.. كرررركررركررر..ششووششو!! وما من أطفال على وجه الأرض يتعرضون لظلم ذوي القربى كعيالنا، انا لا أتحدث عن حرمانهم أو تزويدهم بالنقود وباللعب والدمى والبيرجر، بل أتحدث عن حرماننا إياهم من العواطف والتوجيه، كي لا يتحولوا الى صائعين ضائعين، فالعادات الحسنة والتقاليد والسلوك القويمين بكتيريا حميدة تنتقل من جيل الى جيل بالمخالطة والمجالسة والمعانقة، بينما الجنوح والفلتان ثم الانحراف فيروسات خبيثة تنتقل بسرعة بين من يتربون في «الشارع»، فكم منا يجالس عياله يوميا وعلى نحو منتظم يراجع معهم الدروس ويشاركهم اللهو البريء؟ وكثيرون – خصوصا الآباء- يحسبون ان دورهم يقتصر على توفير النقود، وتكون كل علاقة الطفل بابيه: بابا أنا ابغي 213 ريالا لاشتري سي دي جديد، فيمد الأب يده الى جيبه ويخرج المبلغ المطلوب وفوقه بقشيش ليصل إجمالي المبلغ الى 500 ريال، يفعل الأب ذلك لأنه لا يريد عوار ووجع الرأس، وهو لا يدرك أنه وكلما أبعد أحد عياله عنه بإغداق المال عليهم من دون نصح أو مؤانسة، يعطيهم قيمة التذاكر الى عوالم الصرمحة والضياع، فبمجرد استلام المبلغ يدرك الطفل ان دور أبيه قد انتهى، وكلما كبر طفل كهذا، كبرت أيضا المسافة التي تفصله عن أبيه، وخاصة ان هذا الصنف من الآباء يميل الى تحديد مرتب ثابت لعياله عندما يكبرون كي يرتاح من دوشتهم وطنينهم، والموال المعتاد من أفواه كثير من الآباء كلما طلب عياله بقاءه معهم او اصطحابه لهم في نزهة او زيارات عائلية هو إنه «مش فاضي» وتعبان وشقيان لأجلكم، «ولا ينقصكم شيء لأنني أوفر احتياجاتكم بالزيادة»، وهكذا صارت لدينا أجيال من الفتيات والفتيان لا يرثون عن آبائهم سوى المال.. يعني ليس القيم والمثل والقدوة والحنان والتراحم، وفي معظم الأحوال فان العيال المحرومين من علاقات صحية مع الأب او الأم يكونون شديدي العقوق والتمرد لأنهم يستقون قيمهم من نظرائهم عديمي الخبرة مثلهم في الشارع والمدرسة، وليس سرا أن الكثير من العيال يتلقون دروس التربية الجنسية من نظرائهم الذين يتباهون بنزواتهم وغزواتهم الحقيقية والوهمية، وإذا انغرست مفاهيم معينة في ذهن صبي عن العلاقة بين الجنسين، فلا توجد استيكة أو محاية للتخلص منها ما لم تكن من الصنف المتوافر في زنازين الشرطة والسجون، وحتى من يدخل منهم السجن نتيجة جنحة وهو حدث قد يتخرج فيه وهو أكثر خبرة نظريا في عالم الجريمة الواسع.
ويحكى ان شابا من النوع الذي فرح بالانفكاك والانعتاق من أجواء البيت بعد ان توجه الى أمريكا للدراسة وامتنع عن زيارة أهله حتى في الإجازات، تلقى مكالمة هاتفية من أبيه، يبلغه فيها انه قرر تطليق أمه وطلب منه ان يبلغ القرار لأخته الذي تدرس في لندن، وما ان سمعت الفتاة بالخبر الصاعق حتى جن جنونها واتصلت هاتفيا بابيها: بابا كيف هان عليك ان تطلق أمي بعد عشرة 28 سنة؟ أرجوك دع الأمور على ما هي عليه حتى نحضر أنا وأخي الأسبوع المقبل لتسوية المشكلة بينك وبين أمي! فابلغها الأب انه سيجمد قرار الطلاق الى حين وصولهما، ثم وضع الأب سماعة الهاتف والتفت الى زوجته: حسنا سيكونان معنا خلال عيد الفطر ولكن ماذا نفعل كي نحملها على زيارتنا مرة أخرى؟
[/JUSTIFY]

جعفر عباس
[email]jafabbas19@gmail.com[/email]

Exit mobile version