هي سودة بنت زُمعة بن قيس العامرية القرشية ، ثاني زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد السيدة خديجة رضي الله عنها ، كانت شديدة سواد البشرة ، ولكنها بيضاء السريرة ونقيّة ، مؤمنة صادقة ، خفيفة الروح والظل ، تجيد الفكاهة .. تزوجت بمكة بدايةً من السكران بن عمرو ، وهاجرت معه إلى الحبشة فراراً بدينها ، ولها منه خمسة أولاد ، وصلت إليهم الأخبار أن إيذاء المشركين للمسلمين قد توقف ، فقرر البعض العودة إلى وطنهم مكة ، فعادت هي وزوجها معهم وما إن اقتربوا من مكة حتى تبينت لهم الحقيقة و عرفوا أن إيذاء المشركين وعداوتهم لم تنقطع ، ولم تمض أيام على وصولهما مكة حتى اشتد المرض بزوج سودة ولم يلبث أن فارق الحياة .
عن ابن عباس قال : “كانت سودة بنت زمعة عند السكران بن عمرو أخي سهيل بن عمرو ، فرأت في المنام كأن النبي صلى الله عليه وسلم أقبل يمشي حتى
وطئ على عنقها فأخبرت زوجها بذلك فقال : وأبيك لئن صدقت رؤيتك لأموتن وليتزوجنك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : حجراً وستراً – تنفي عن نفسها ذاك – ثم رأت في المنام ليلة أخرى أن قمراً انقض عليها من السماء وهي مضطجعة فأخبرت زوجها فقال : وأبيك لئن صدقت رؤياك لم ألبث إلا يسيرا حتى أموت وتتزوجين من بعدي .”
مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بأقسى مرحلة بعد موت السيدة خديجة رضي الله عنها وعمه أبي طالب ، وحزنه عليهما ، وبينما كان رسول الله في بيته يوماً إذا بخولة بنت حكيم إحدى الصحابيات تتحدث إليه وتقترح عليه أن يتزوج مرة أخرى ليملأ بعض الفراغ الذي تركته خديجة رضي الله عنها ، ولكي يجد من ترعى شئون بيته وبناته ، ثم عرضت عليه اسم سودة بنت زُمعة ، فأذن لها صلى الله عليه وسلم في خطبتها ، فذهبت إلى سودة تبشرها بأن الله تعالى بعث لها بالخير والبركة ، وسودة لا تدري مرادها ، فقالت لها : أرسلني رسول الله أخطبك عليه ، هنا فرحت سودة فرحاً شديداً وأعربت لها عن موافقتها ثم طلبت منها أن تستأذن أباها ، وعادت خولة إلي النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بموافقة سودة وأبيها ، فأنطلق النبي إلى بيت أبيها حيث عقد عليها وتزوجها وأعطاها مهراً أربعمائة درهم ، وتم زواج النبي على سودة رضي الله عنها في رمضان سنة عشر من النبوة ، ودخل عليها بمكة .
أصبحت سودة أوّل من تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعد خديجة ، وممن تشرفن بخدمته وقمن على رعايته ، وأنفردت به حوالي ثلاث سنين ..
أدت سودة دورها واستطاعت أن تقوم على البيت النبوي وتخدم بنات النبي صلى الله عليه وسلم وترعاهن ، وتدخل السعادة إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم ، بما عرف عنها من روح المرح وخفة الظل ، وكان ذلك ما يحتاجه الرسول الكريم في هذا التوقيت الزمني بالتحديد بعد وفاة زوجته الحبيبة خديجة رضي الله عنها ومع أعباء الدعوة فكانت له دواء ضرورياً مع كبر سنها وحنانها لمراعاة بناته رضي الله عنهن أجمعين .
وقد كانت قادرة عند رؤيتها للرسول صلى الله عليه وسلم مهموماً أو حزيناً أن تدخل السرور على قلبه بروح الدعابة التي اشتهرت بها ، كما كانت زوجات النبي يتحيّن الفرصة للمزاح معها ومداعبتها ..
بعد زواجها بقيت رضي الله عنها في مكة إلى أن أذن الله لرسوله بالهجرة إلى المدينة ، ولما هاجر صلى الله عليه وسلم واستقر بالمدينة بعث زيداً بن حارثة ومعه مولاه أبا رافع ، وأعطاهما بعيرين وخمسمائة درهم وأتيا بفاطمة وأم كلثوم بنتي رسول الله وسودة ، وأخذ زيد زوجته وولديها أسامة وأيمن ، حتى قدموا إلى المدينة ، والنبي يومئذ بيني المسجد وبيوته ، فأدخل سودة أحد تلك البيوت ، وعاشت سودة رضي الله عنها آمنة مطمئنة في هذا البيت الكريم قائمة على شئونه مؤدية واجبها نحوه .
عن عائشة قالت : “اجتمع أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقلنا : يا رسول الله أينا أسرع لحاقا بك ؟ قال : { أطولكنّ يداً } فأخذنا قصبة نذرعها فكانت سودة بنت زمعة بنت قيس أطولنا ذراعاً قالت : وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت سودة أسرعنا به لحاقا
أنما كان طول يدها الصدقة .”
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقدّرها ويعاملها بالبر والرحمة ، ويعدل بينها وبين سائر زوجاته ولكنه لم يستطع أن يحبها ، وخاف أن يظلمها ففكر أن يطلقها ، ولكنها طلبت أن تظل زوجة له ، ويكفيها أن تظل قريبة من رسول الله وفي بيته المبارك ، وأن تنال شرف كونها أماً للمؤمنين وأن تُبعث يوم القيامة زوجة لسيد الخلق ، من أجل ذلك فقد وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها تبتغي بذلك مرضاة النبي صلى الله عليه وسلم ،
قالت أم المؤمنين سودة لنبي الله محمد : ” مالي رغبة في الدنيا ، إلا لأحشر يوم القيامة في أزواجك فيكون لي من الثواب ما لهن ” ..
كانت رضي الله عنها شديدة التمسك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم وأمره ، ومن مناقبها رضي الله عنها أنها كانت تشارك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد ، فقد شهدت معه غزوة خيبر ، وكانت كريمة سخية في عطائها مكثرة للصدقة على الفقراء والمساكين ، لا تستقر الدراهم عندها بل تسارع في انفاقها ، وقد أعطاها رسول الله نصيبها من الغنائم في خيبر كما قسم لكل أزواجه فأخذت نصيبها فتصدقت به على من يحتاجه من المسلين قبل أن تصل إلى حجرتها ، ومما ورد في سخائها وكرمها أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أرسل إليها زمن خلافته كما كان يفعل مع باقي أمهات المؤمنين بجرة صغيرة من دراهم فنادت على جارية لها ففرقتها جميعها .
عاشت سودة رضي الله عنها في بيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن توفي وهو عنها راضٍ وبقيت معتكفة في بيتها حتى أدركت خلافة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب والذي توفيت في آخر خلافته على الأرجح ، رضي الله عنهم أجمعين .
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/JUSTIFY