إذا صمتَّ اُعتبر صمتُك إقراراً سكوتياً، وإذا عبّرت عن رفضك وغضبك، سهل وصفك بالحماقة.
الكسل والحماقة صفتان كافيتان لهزيمة سيرة الأفراد والشعوب.
في إحدى زياراتي للمملكة العربية السعودية، لتغطية مؤتمر حوار الأديان، كانت نكات كسل السودانيين تسقط أمامي ومن خلفي باعتياد مزعج.
كأن الصفة أصبحت من المسلمات التي لا تجعل مُطلِقَها يشعر بالحرج، ولا مُستَقبِلَها يشعر بالإساءة والإهانة..!
مسؤول إعلامي بالمؤتمر تصدى -ساخراً- بحماس كبير، لنفي تهمة الكسل عن السودانيين، ودليله وشاهده على ذلك أنني حضرت لقاعة الاجتماع قبل الوقت المحدد بخمس دقائق!
وزير ثقافة سابق باليمن السعيد، رافقنا من مطار جدة إلى فندق الهيلتون بمكة.. بعد ربع ساعة من هذه الرفقة، بعد مجاملة وردِّها، ومدحٍ للدكتور الترابي في اجتهاداته الفقهية، فإذا بسعادة الوزير يخرج من علبه -دون مقدمات- ليروي نكات كسل السودانيين..!
(السوداني أول ما يقوم من النوم يرتاح شوية).. (أحدهم طلق زوجته حتى لا يضطر للقيام من سريره لفتح الباب).. (السوداني قالوا له التدخين يؤدي للموت البطيء)، فقال: (هو أصلو ما مستعجل)!
صحفي سعودي، خفيف الظل، لم يكف عن سرد النكات عن السودانيين.. ويحفظ كثيراً من العبارات التي يستخدمها السودانيون للتسويف (هسع جايي).. وإذا بـ(هسع) تتمدد لساعات.. وعلاقتهم بالكوتشينة والونسات الدائرية، وكثرة أَسِرَّة النوم في المنازل، وأن صلاة الفجر في السودان تُصلّى مع وجبة الإفطار في التاسعة صباحاً!
المغتربون في الخليج يعتبرون هذه النكات من ضمن أسلحة الجاليات المنافسة لهم في سوق العمل.. باعتبار أنهم يحاولون اختراق المميزات المعروفة عن السودانيين (الأمانة والكرامة والإخلاص)، عبر سهام النكات السامة!
في إحدى زياراتي لجوبا، أبديت ملاحظة عن سيطرة الإثيوبيين واليوغنديين والأريتريين على سوق العمل لوزير الداخلية بول ميوم.. وكان رده جاهزاً: (السودانيون في الشمال والجنوب، ما بشتغلوا عشان كدا بجوا الناس ديل)!
أخطر ما في النكات، أنها تسحب من رصيد شخصيتك دون أن تكون لك القدرة على مقاضاة الجهة الساحبة، أو الدخول في مواجهة معها خارج ساحة المزاح.
نكتة على نكتة، وتجد نفسك معتقلاً في ثوب من حديد، أية محاولة للخروج منه، لا تسلم فيها من الجروح والكسور!
ما انزعجت له أكثر أن الاتهام بالكسل لا يقتصر على النشاط البدني فقط؛ ولكن يتعداه إلى النشاط الذهني، مثل نكتة (التدخين والموت البطيء)!
تهمة الكسل بكثافتها وحضورها المعتاد -المثير للقلق- تستحق من علماء النفس والطب والاجتماع والتاريخ والجغرافيا؛ إخضاعها للبحث وتفكيك جزئياتها بهدوء، لمعرفة إن كانت ادعاءً كيدياً أم حقيقةً مؤلمةً؟!
لنعرف لماذا استطال حبل المهلة إلى أن أصبحنا نتغزل فيها (سمحة المهلة)؟ ولماذا نفضل درب السلامة ولو تمدد المشوار للحول؟ ولماذا إذا تكاثرت علينا الهموم كان خيارنا سرير النوم؟!.
ضياء الدين بلال