عقيد ركن «م» زين العابدين عثمان : محلية العباسية.. دماء على الطريق

[JUSTIFY]محلية العباسية تقلي بالمنطقة الشرقية ولاية جنوب كردفان، كانت منطقة آمنة مستقرة، حتى الماضى القريب، بلا مقدمات دخلها التمرد وفعل فعلته فيها ولا يزال، وعلى إثره ظهر التفلت الأمني الذي عمَّ أرجاء المحلية، جماعات وأفراد من المتفلتين بأسلحتهم، يمتطون الجمال أو المواتر، وأحياناً راجلين، وبكل جرأة وتعايش مع الدم، يعملون في الأبرياء تقتيلاً وترويعاً، نهباً وسلباً لأموالهم وأنعامهم، بلا وازع من ضمير أو خُلق أو دين، يعترضون المركبات العامة والتجارية وينهبون ويسلبون ركابها، يعتدون على المزارعين في مزارعهم، وعلى الرعاة ومواشيهم، وعلى التجار في متاجرهم، وعلى الآمنين في دورهم. متلازمة القتل والترويع، والنهب والسلب، وانتهاك الحرمات والأعراض، كادت تكون يومياً، في ظل صمت مريب من السلطات أحياناً أو تحرك لا يتناسب مع الحدث أحياناً أخرى. للتعرف على أسباب المشكلة يجب طرح الحقائق المرة دون مخادعة للنفس أو مخادعة للغير، فالبداية كانت بدخول التمرد إلى المنطقة، وتبع ذلك امتلاك عدد كبير من المواطنين للسلاح بدواعي التصدي للتمرد، لكن لم تستخدم معظم هذه القبائل السلاح لمحاربة التمرد لأنها غير مؤهلة تنظيماً وتدريباً لمواجهة التمرد، ولم تسع سعياً يُرى في هذا الاتجاه، وإنما وظّفتْ السلاح لتصفية حسابات تاريخية أسبابها المراعي والأرض. والقبائل الوافدة وأغلبها عربية رعوية، لها مصالح متبادلة بلا شك مع القبائل المستضيفة، وكان العُرْف السائد أن يكون المك (الأمير) من القبائل المستضيفة صاحبة الأرض، والمشيخة (الشيخ) للقبائل الوافدة المستضافة، وعلى ضوء هذه العلاقة تدار وتُضْبط أمور القبائل، بحنكة وحكمة هؤلاء المكوك (الأمراء) والشيوخ، ولكن التسييس القبلي خلق زمرة من النفعيين والصفوة استغلت القبيلة لتحقيق مآربها، قتلت الدولة رمز الكبير في القبائل المستضيفة صاحبة الأرض بخلق أجسام موازية له من القبائل الوافدة المستضافة، مما أدى لتلاشي الهيبة والاحترام والطاعة التي كانت لرمز القبيلة صاحبة الأرض، هذا الوضع أدى لانفلات بعض الأفراد وجلهم من القبائل الوافدة.
وَلاَء هؤلاء المتفلِّتين منشطر ما بين ولاء أعمى للقبيلة يدفعهم لنصرتها بالحق وبالباطل، وولاء للنفس الأمارة بالسوء يقودهم لظلم الآخر ونكران حقه، والاعتداء عليه في نفسه وإراقة دمه المعصوم بغير حق، والاعتداء على عرضه وماله وأرضه، ثم ولاء لزمرة صفوة القبيلة واللذين أمدوهم بالسلاح، يطيعونهم بلا عقل يعي، ولا كابح يكبح شرور أعمالهم، فمثل هؤلاء المتفلِّتون لا ينفع معهم النصح ولا توعية المساجد والخلاوى فأمثالهم لا يرتادون تلك الأماكن، فلا وازع ولا رادع إلا السلطان، ومن لايُوزع بالقرآن يُوزع بالسلطان. الحرب الدائرة الآن بولاية جنوب كردفان بين قوات الحكومة والتمرد، وفي إطار الفعل ورد الفعل، أثرت كثيراً على حياة وأمن المواطن، فقد تعرّض بعض السكان للاستخدام كدروع بشرية من جانب قوات التمرد، وقد حدث ذلك في مناطق عدة، أو يتعرض الأهالي للقتل الخطأ كما حدث في مسيد أُمْ مّرِّحْ، أو تتعرض ممتلكاتهم وحاجياتهم للدمار. وبالطبع هذا شيء وارد في أي منطقة عمليات حربية، ولكن هنالك أعمال غير مقبولة من طرفي القتال تمت في مناطق متفرقة من المحلية، فقد تعرضت بعض ممتلكات المواطنين الأبرياء للاعتداء والنهب، وقد تعَّرف بعض المواطنين على حاجياتهم تُباع أو يتم ترحيلها بعربات تتبع لجهات ما من لا يهتم بالوطن وهمومه فهو همْ على الوطن، وعليه فالقوات المسلحة والأجهزة النظامية الأخرى، هي مؤسسات وطنية وقومية، تستحق الاحترام والوقوف معها ودعمها دعماً غير محدود وبكل الوسائل وهي تؤدي واجبها دفاعاً عن الوطن، ولن نقبل أن نسمع أو نري ما يسيء أو يشين سمعتها، أما وانحراف بعض المحسوبين على هذه المؤسسات وإتيانهم بأشياء من قبيل تدمير البيئة بقطع الأشجار للاتجار، أو الاعتداء على ممتلكات المواطنين الأبرياء واعتبارها غنائم حرب، كل هذا يُوّلِّد الكراهية والبُغْض ، وهذا وضع يستوجب التحقيق وردع كل منحرف ورد الحقوق لأهلها. المواطن في محلية العباسية وما جاورها يشكو لطوب الأرض من معاناته، والتي كانت في أشياء ليس من بينها الأمن والطمأنينة، والأمر مرشح للتصعيد، ومآلات القادم غير مبشرة ما لم يتم القضاء على المتفلِّتين وأسباب التفلت. للقضاء على أسباب التفلت والمتفلِّتين لا بد من إيقاف الحرب الدائرة الآن وهذا شأن اتحادي وولائي حالياً، وأن تتوفر الرغبة والإرادة لذلك من السلطات مجتمعة تنفيذية وأمنية وعدلية، وتوضع خطة أمنية محكمة لمنع التفلتات، أهم بنودها جمع السلاح المنتشر بكثافة وغير المرخص، وحصر استخدامه في الجهات المخول لها بذلك، والحيلولة دون وقوع نزاعات بين المزارعين والرعاة بتطبيق الأعراف السائدة من قبل، ومحاربة الملثمين الذين يجيبون المنطقة ومنع ارتداء اللثام (والكدمول) في المنطقة، وتأكيد ترخيص المواتر لدى الأفراد وحصر بياناتها لدى السلطات ومراقبة تحركاتها المشبوهة، مع الوضع في الاعتبار أن التطرف في اللفظ أو ما يسمى بالعنف اللفظي من بعض المسؤولين والتنفيذيين يشجع ويُغري مرؤوسيهم وأتباعهم للتطرف وممارسة العنف الجسدي على الآخرين بدون حياء أو وجَلْ. وأخيراً كل ذلك يحتاج لدعم لوجستي كبير للمحلية يردم الهوة الكبيرة ما بين ما هو متاح حالياً وما هو مطلوب فعلياً لمواجهة هذا التفلت، وذلك من وحدات شرطية وأمنية وعدلية ومعينات وأدوات مساعدة للعمل، ويحتاج تحرك إيجابي ملحوظ من السيد معتمد المحلية يرسل رسالة قوية للمتفلتين ورسالة اطمئنان للمواطن.

صحيفة الإنتباهة
عقيد ركن «م» زين العابدين عثمان مريود

[/JUSTIFY]
Exit mobile version