ان الدعوة الى التغير السياسي الذى يتحدث عنه الجميع ويطالبون بتطبيق بنوده الاصلاحية على ارض الواقع بصورة ارحب مما اشتملت عليه درجة الاحلال والابدال التى طالت العمود الفقرى لهيكل النظام وادت الى ترميمه بهذه الصورة التى سيكون لها ما بعدها من مضاعفات على المدى المنظور قد تجرده من هيبة الاستمرارية وتسلبه من ارادة المقاومة ضد الطامعين الذين لن تفتر لهم همة الا باسقاطه صريعاً مثله مثل الانظمة العقائدية التى تهاوت فأنخلعت وما عاد احدا يذكرها بغير الشر ، فهذا التغير الذى ينشده كل من هب ودب ، مهما حاولنا ان نوفيه حق الاضاءة الرحيبة التى يفترض ان تبرز وجهه الحقيقى الخالى من الرتوش والبدع التجميلية ، فاننا بالطبع سنصطدم بعقبة الاختلاف الجوهرى فى مايجب ان تكون عليه دقة الملامح التى يفترض ان يرسمها الجميع حول اطاره العام ، فالمعارضة تريد اصلاح يتسق والمكسب الذى خرجت لتعارض النظام من اجله ، فسقف الطموح لديها اكبر من مجرد الاكتفاء بالنظر فى شكل الاجراء الروتيني الذى يعود ريعه وفق اعتقادها لصالح عضوية الحزب الحاكم التى تململت حتى عبرت عن ذاتها بالمحاولة الانقلابية الاخيرة ! انها اي المعارضة اختزلت كل رؤيتها للتغير فيما احدثت من حراك شعبي واعلامى استطاعت عبره من تأجج ضراوة التوقعات والتكهنات التى استبقت خطاب ( الوثبة ) الذى طرحه السيد رئيس الجمهورية ، بمعنى انها تأمل ان يترجل المؤتمر الوطنى عن صهوة الحكم ، وتطمع ان تتوافق الاحزاب حول حكومة قومية يترأسها واحداً من هولا الذين يفتقرون لكاريزما القبول ويتعطلون على ارصفة التاريخ ! وتحلم ( بتأليف ) دستور يتضمن المواد التى تبيح المحظورات الوطنية التى تمنع الارتزاق والعمالة والارتهان للاجنبي ! واذا لم يتحقق لها ذلك فهى اشد ايمانا وتصديقاً بحكمة شمسون الجبار التى مفادها : عليا وعلى اعدائي ! فى الوقت الذى تشير فيه كل المؤشرات حتى ولو تحقق الحد الاكبر من هذه الشروط التعجيزية فأن المعارضة ستظل تناى بنفسها عن المشاركة حتى يأذن الله لها بدخول القصر الجمهورى على ظهور الدبابات نكاية بالاسلاميين الذين غدروا بالديمقراطية الثالثة كما تعتقد ! فالمسألة برمتها مسألة ضغائن مؤجلة وتصفية حسابات شخصية تستهدف وحدة الوطن قبل ان تحقق الغاية من عملية التشفي التى بالضرورة ستكون مفصلية وستكون فى احسن الاحوال جذرية بحيث تفرغ البلد من كل مقومات الحياة . وهو ما يبرر لماذا تسابقت المعارضة عبر كل الوسائل المتاحة للتقليل من الدعوة ( للوثبة ) وقالت فيها ما لم يقوله مالك فى الخمر ! .
ان المؤتمر الوطنى الذى استشعر درجة الوحدة القاتلة واستوحش وحدانية الانفراد بالحكم ، هو حاول بانتهاجه للاصلاح مراجعة المواقف التى استرجلها ضد المناوئين ، وحاول ايضاً الاعتزاربطريقة غير مباشرة عما بدرت عنه من مواقف انانية اجبرته على حرمان غيره من المشاركة فى صناعة المستقبل الواعد للسودانين ، الامر الذى يدعوا للتساؤل هل كان المؤتمر الوطنى على جانب من الصواب عندما اعتقد ان الحل الشامل لمشاكل السودان يكمن فى الدعوة للتوافق مع الاحزاب الاخرى ؟.. لان هذه الاحزاب اعتملت بدواخلها محفزات الظنون ، وجزمت على ان السلطة تلفظ انفاسها الاخيرة وتعانى من شدة النزع ! فطربت ورقصت مثلما يطرب ويرقص العربيد الذى ذهب عقله ، ففى المثل : غلطة الشاطر بمية وماكان على المؤتمر الوطنى والانتخابات على الابواب ان يجهد نفسه وغيره بالتدقيق فى الاخطاء التى ارتكبها ، لانها اخطاء طبيعية وطفيفة تصاحب كل تجربة نهضت فى الحكم على النظرية الدينية .