هنادي محمد عبد المجيد

في الوطن يلتقي جميع الفرقاء

[JUSTIFY] بسم الله الرحمن الرحيم
التعزير وسرقة المال العام ، مقال للدكتور حسن حنفي ، يشرح فيه معنى كلمة ” التعزير” وهو مصطلح يخص الشريعة الإسلامية ، يستخدمه شارحاً وضع التشريع الإسلامي والأحكام الوضعية في دولة مسلمة وهي مصر ، إليكم نص المقال :” يحمى النقاش داخل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور وخارجها حول تطبيق الشريعة الإسلامية عامة ، وكيفية صياغة المادة الثانية بين الخاص والعام – للتوضيح : المادة الثانية في الدستور المصري تنص على أن الدين الرسمي للدولة هو الدين الإسلامي – بين أحكام الشريعة ومبادئ التشريع ، بين قانون العقوبات ومقاصد الشريعة ، بين الوسائل والغايات ، وتنقسم الأمة إلى فريقين : *إسلاميين ينادون بتطبيق الشريعة : [ ومن لم يحكم بما أنزل الله فأؤلئك هم الكافرون ] وفي آيات أخرى [ الظالمون ] ،، [ الفاسقون ] ..
* وعلمانيين – إن صحت هذه التسمية – الذين يراعون وضع الأقباط في مصر ، ويحرصون على مبدأ المواطنة والإلتزام بالقانون المدني ، فمصر دولة مدنية وليست دولة دينية ، والقانون الوضعي قادر على تحقيق مقاصد الشريعة وأهدافها في الحفاظ على الحياة والعقل والعرض والمال ، وإحترام الأديان ، والدفاع عن حرية الإعتقاد .
وتطبيق الشريعة الإسلامية في ذهن أنصارها هو تطبيق العقوبات الشرعية : الجلد والرجم وقطع اليد والصلب ، أي العقوبات الجسدية ، فالشريعة منع وزجر وقمع وتحريم وعقاب ، تتعلق معظم أحكامها بالجنس : الحجاب ، والفصل بين الرجال والنساء في الحياة العامة ، وتعدد الزوجات ، وقوانين الشهادة والميراث ، ووضع المرأة فيها ، والعقوبات في مقابل التقاعس عن الإتيان بالواجبات ،، والواجبات في مقابلها حقوق .
لقد توقف القفه القديم في المذاهب الأربعة على العقوبات الشرعية بعد العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية ، ولم يتعرض للمسائل الإجتماعية والسياسية العامة ، نظراً لإحتكار السلطة لها ، بإستثناء تبرير الإمامة أو الأحكام السلطانية ، أي ربط النسق القانوني كله بالسلطان .
فأصبح فقه القدماء في غالبه فقه السلطة ، يشرّع لقتال البغاة والخوارج والمرتدين ، ويستعد للجهاد ضد الأعداء في الخارج استئنافاً للفتح الإسلامي الأول ، والتعزير جاء من النظام القضائي ، لا يكاد يبرزه أحد أو يعتمد عليه ممن ينادون بتطبيق الشريعة الإسلامية ، ولا يحتج به من يُعارضونها تثبيتاً لمواقفهم .
والتعزير هو : الرجوع إلى الحاكم لتشديد العقوبة على جرائم الفساد العام ونهب أموال الدولة .
فالحكم بقطع يد السارق حكم القاضي إذا توفرت الشروط وغابت الموانع مثل الجوع والمرض والعري والتشرّد والبطالة .
وهو لا يكفي في حالة نهب المال العام ، وتهريب الأموال إلى الخارج ، والعمولات والسرقات والرشاوي من رجال الأعمال .
* والتعزير لغة : هو الرد والمنع .. وإصطلاحاً: تعظيم العقوبة وتشديدها فيما لا حد فيه ولا قصاص ولا كفارة مثل سرقة أبراج الكهرباء ومقالب القمامة المعدنية .
وإذا كان القدماء قد وضعوا حداً أعلى للتعزير فإن المحدثين قد يرفعونه جزئياً أو كلياً طبقاً لعظم الجرم في نهب المال العام بالمليارات ، والغرض إيلام مرتكب الجرم إلى الحد الأقصى كما آلم هو ملايين المواطنين .
ويعادل التعزير في الفقه القديم القضاء الإستثنائي الذي يقدم إليه مرتكبو الجرائم الكبرى وليس القضاء الطبيعي ، ويعادل أيضاً محكام الثورة التي لا تحتاج إلى أدلة لإدانة الإقطاعيين وكبار الرأسماليين ورجال القصر وباشوات الأحزاب ، كما حدث بعد ثورة يوليو 1952م .. وهو ما نقص ثورة 25 يناير ، وأطال حكم رجال الفساد ونهب المال العام ، فالقضاء الإداري العادي يتوقف على الأدلة ، وقد تكون الأدلة قد تمّ إخفاؤها أو تدميرها كلياً أو جزئياً ، والقاضي لا يستطيع أن يحكم إذا نقصته الأدلة طبقاً لقاعدة – البيّنة على من ادعى واليمين على من أنكره – .
كما يتوقّف الحكم بالبراءة على الأدلة المضادة ، ومهارة المحامين وبراعتهم في الدفاع ، وشكلية القضاة الذين يضحّون بالمضمون لصالح الشكل ، حرصاً على سلامة الإجراءات ، يعني التعزير أن الظلم للفرد قد يكون هوالطريق إلى العدالة للشعب ، والهدف منه هو النموذج والردع لكل فاسد ناهب للمال العام .
فالأحكام تطبق على كل الطبقات الإجتماعية وليس فقط على الفقراء دون الأغنياء ، وعلى المحكومين دون الحكام ، ” إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ” ..
* الهدف من التعزير : هو الردع وإعطاء المثل على جزاء نهب المال العام من كبار رجال الدولة ، المديرين ، ونواب الوزراء ، والوزراء ، ونواب رئيس الجمهورية ، وحاشيته من رجال الأعمال حتى رئيس الجمهورية وحاشيته من رجال الأعمال حتى رئيس الجمهورية نفسه ،، الهدف هو استرداد مال الشعب من لصوصه وناهبيه ومهربيه .
هو أخذ حق الشعب الذي سُلب منه ، حق الجماعة الذي نهبه الأفراد ، هو استرداد الأموال بدلاً من الإقتراض وتكبيل الشعب بالديون وأمواله في البنوك الأجنبية بأسماء ناهبيها أو بأسماء مستعارة ،، هو العدل العام حتى ولو أدى إلى الظلم الخاص ،، فالصالح العام له الأولوية على الصالح الخاص ، والحق العام يتصدر الحق الخاص ، فالعدل مع الجماعة قد يجب ظلم الأفراد الذين طالما نهبوا المال العام على عدة عقود من الزمان ،، فقد أخلّ بالأمانة التي بين يديه وبالقسم الذي عقده مع الشعب بالمحافظة على المال العام وسلامة الوطن .
تطبيق الشريعة على هذا النحو ينتقل من الخاص إلى العام ، ومن الفرد إلى الجماعة ، ومن الإجتماعي إلى السياسي ،، هنا يتفق الإسلاميون والعلمانيون على تطبيق الشريعة .
فمن مِن الإسلاميين يرفض تطبيق الشريعة على العام قبل الخاص إلا إذا كان متواطئاً مع رجال الأعمال ونظام الحكم ؟
ومن من العلمانيين يرفض تطبيق الشريعة بهذا المعنى ؟ ، الصالح العام قبل الصالح الخاص إلا كان ضحية الشقاق الأيديولوجي المبدئي ، العداء للإسلاميين بإعتبارهم خصوماً في السلطة ، وكلاهما يضحي بالصالح العام من أجل السلطة .
ليست القضية إذن تطبيق الشريعة الإسلامية بين القبول والرفض ، ولكن القضية تطبيق الشريعة على من ، وعلى أي شرعة إجتماعية ، ولأي سبب ؟ ليست القضية شعارات تعبر عن خصومة دفينة سعياً وراء السلطة ، ولكن القضية الدفاع عن الصالح العام سواء كان ذلك تطبيقاً للشريعة أو تنفيذاً للقانون أو لجوءاً إلى الفطرة والبداهة والحس السليم .
الشعارات والمواقف المبدئية قد تنفّر أكثر مما تجمع ، وتفرق الناس أكثر مما توحد، وتعبر عن قوى سياسية ، وتسعى كل منها لصالحها الخاص ، وهو الوصول إلى السلطة ، والسلطة في يد من يدافع عن الصالح العام ، وفي الوطن يلتقي جميع الفرقاء.
إن الشعارات قد يساء استخدامها ، ويساء فهمها وتأويلها ، أما الصالح العام فهو ما يبحث عنه الجميع ، الأغلبية الصامتة ، البديل عن الشعارات بين الرفض والقبول “.
[/JUSTIFY] هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email]
[/JUSTIFY