عبر القرون الماضية ، عكف بعض رجال الدين على وضع تعريفات للفظ ” الكُفْر ” فقسّموه إلى كُفْر أكبر وكُفْر أصغر .. إلى كُفْر نعمة وكُفر مِلّة ….إلخ ،، فقالوا الكُفْر يعني : الستر والتغطية ، وبالتالي ، فالمقصود بالكفّار في قوله :[ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفّارَ نَبَاتَهُ ] هُمْ الزُّرّاعْ ، فالفلاح أو الزارع يستُر ويُغطّي البذور في التربة فيوصف بأنه كافر !! وكَفَرْتُ الشيء – بفتح الكاف والفاء – أي سترتُه .. ويُقال للقرية في بعض البلاد ” كَفْرْ ” – بفتح الكاف – لسترها أهلها .
وقالوا عن ” الكُفْر الأصغر ” إنه المُخالف لحُكم من أحكام الشريعة ولمعصية عمليّة سمّاها الشرع كُفْراً لأنها من خصال الكُفر ، كقتال المسلم ، والنياحة على الميّت .. إلخ
وقالوا هناك كُفْر في العمل ، ومنه كُفر النعمة وجحودها ، فمن يترك الصلاة وهو مُقر بالشهادتين ، فهو كافر ، ومن ترك الحج مع استطاعته ، فذلك من كُفر العمل .
أما ” الكُفر الأكبر ” فقسّموه عدة أقسام : * كُفْر التكذيب : وقد يكون التكذيب بالقلب أو باللسان أو بالجوارح ، فالمُكذّب لا ينقاد للحق مع عِلمه به ومعرفته باطناً ، ومثالاً له كُفر اليهود بمحمد صلى الله عليه وسلم ، كما في قوله في سورة البقرة :[ فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَروا بِهِ ] وقوله :[ وَإِنّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقّ وَهُمْ يَعْلَمُونْ ] وفي سورة النمل :[ وَجَحَدوا بِهَا وَاْستَيْقَنَتْهَا أَنْفُسَهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً] .
* َكُفْر الإباء والإستكبار : وهو ترك الحق لا يتعلمه ولا يعمل به ، كقوله في سورة النور :[ وَيَقُولُونَ آمّنّا بِاللّه وَبِالرَسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمّ يَتَوَلَّ فَريقاً مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُؤلَئِك بِالمُؤْمِنِين ] .
* ْكُْفْر النّفاق : وهو الإقرار لِساناً والإنكار قَلباً ، كقوله في سورة البقرة :[ وَمِنْ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّآ بِاللّهِ وِبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِين ] .
* ُكُفْر الشك والريبة : وفيه يتردد المرء في اتباع الحق ، ولا يجزم بصدق الرسول ولا يُكذّبه ! ومثاله : تحاوُر الصاحبين في سورة الكهف في قول الله [ وَدَخلَ جَنّتَه وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً ، وَمَا أَظُنُّ السّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبّي لَأجِدَنّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً ] ،، الكُفْر البيّن ضد الإيمان ، ويكون تكذيباً بالقلب وباللسان وبالجوارح ، ونعرف الكافر عندما يُجاهر بآرائه المُخالفة لصحيح الدين ، ومن خلال أفعاله ، وقد لا نعرفه كالمنافقين الذين يُظهِرون عكس ما يبطنون ويخدعنا مظهرهم ..
وقبل أن نتطرق للحديث عن الأمر في المسيحية واليهودية ، دعونا ننظر لما قاله الله عن الأعراب ، وهم سُكّان البادية ، يقول سبحانه وتعالى : [ قَاَلتِ الأَعْرَابُ آمَنّا قُل لَمْ تُؤْمِنوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمّا يَدْخُلِ الِإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ] فالإسلام لا يعني الإيمان ، والإيمان مرحلة متقدمة من الإسلام ، نعم من الأعراب مؤمنون صادقون وكثير منهم كافرون ، مع أنّ الكل أعلن إسلامه !
يقول الله في سورة التوبة :[ الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدودَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَالّلهُ عَليمٌ حَكِيمْ ] .. وقال عن بعضهم :[ ومِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يَتّخِذ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبّصُ بِكُمْ الّدوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السّوْءِ وَاللّهُ سَميعٌ عَليمْ ] .. والإنفاق هنا ما يُخرجه ذلك الأعرابي من الزكاة وغيرها في سبيل الله ، فيعتبره خسارة ، ولا يرجو به ثواب الله ، وإنّما يُنفقه رياءاً ،، وهو ينتظر أن تصيب المؤمنين مصائب الزمان ليتخلص من ذلك الإنفاق الذي كُلّف به ، وبرغم ذلك يدّعي أنه ” مُسلم ” !!
للحديث بقية بإذن الله[/JUSTIFY] هنادي محمد عبد المجيد
[email]hanadikhaliel@gmail.com[/email][/JUSTIFY