المواطن السوداني عوّل على وجود مؤشرات مهمّة ضمن ثنايا الخطاب من شأنها أن تغيّر الوضع الاقتصادي نحو الأفضل، في ظلّ ظروف معيشيّة ضاغطة، وتتّسم بالصعوبة، خاصة أولئك المصنّفين من ذوي الدخل المحدود.. ضمن المبحث الاقتصادي في الخطاب تمّ استعراض الخطوط العريضة للأزمة الاقتصاديّة، وبعض ما تعتزم الدولة تنفيذه من إجراءات قد تصبّ في صالح إصلاح الوضع الاقتصادي.
كلمات الخطاب أمالت الكفة نوعاً ما نحو الجانب الاقتصادي، وركّزت على قضية مكافحة الفقر كإحدى أدوات التنمية الاقتصادية الحقيقيّة، من خلال خلق فرص للعمل، وتقليل نسبة البطالة، بيد أن أخطر ما حواه الخطاب تمثّل في القرارات التي تعتزم الدولة تنفيذها من خلال إنشاء وكالة للتخطيط الاقتصادي، تتبع لوزارة المالية، وتقوية البنك المركزي، وتفعيل دوره، وتأسيس جهاز قومي للإيرادات، بالإضافة إلى إعادة النظر في أسُس قسمة الموارد بين مستويات الحكم الاتحادي، لتحقيق مزيد من العدالة والكفاءة، ومراجعة السلطات الاقتصاديّة المشتركة بين مستويات الحكم الاتحادي، لضمان التنسيق والكفاءة الاقتصاديّة.
القرارات والإجراءات التي يعتزم الرئيس إجراءها في الفترة القادمة يبدو أنّها إجراءات إصلاحية أكثر منها قرارات تعين الوضع الاقتصادي على إزالة ما حاق به من عقبات، فوكالة التخطيط الاقتصادي التي ستؤسّس في إطار وزارة المالية تبدو كخطوة في اتجاهها الصحيح، لجهة أنّ الوكالة ستعنى بإصلاح إيرادات ومنصرفات الموازنة العامة، وتحديد أولوياتها، ما قد يضفي بعداً تخطيطياً للاقتصاد، ظل يفتقده منذ سنوات وعهود خلت، بجانب ما تعتزمه الدولة من إجراءات تصبّ في صالح تقوية الجهاز المصرفي، من خلال تقوية البنك المركزي، الذي تعوّل عليه الدولة في الفترة القادمة في إصلاح مسيرة الاستقرار الاقتصادي، من حيث تعزيز أرصدته من النقد الأجنبي، وبناء احتياطيّات من شأنها أن تعمل على استقرار سعر الصرف، وإصلاح الوضع الاقتصادي في مجمله.
الخطاب لم ينس أن يتعهّد بإصلاح المؤسسات الماليّة القائمة على الوضع المالي بالبلاد، من حيث تقويتها، وزيادة كفاءتها؛ من خلال التنسيق بينها وبين المؤسسات الأخرى، ولعله تدارك ما جاء في تقرير المراجع العام من خروقات، كان لابد من الوقوف عندها وإزالتها من أجل خلق بيئة اقتصاديّة معافاة، تستقيم فيها الإيرادات العامة، وتعمل على خدمة المواطن في الجوانب المختلفة.
الضائقة التي يعيشها المواطن أخذت نصيبها من الاهتمام على مستوى الكلمات الرئاسية، ولم تغمطها حقها في الإقرار بها، وإن كان الاعتراف بها اعتبر نوعاً من التطلعات لواقع معيشي أفضل، مقارنة بعقود سالفة، ويُحمد للخطاب أن جعل الاهتمام بالمعيشة إحدى الركائز الأربع التي تعوّل عليها وثيقة الإصلاح الشامل التي تم عرضها على القوى السياسيّة، من أجل التواثق عليها، والتناظر حولها، ووضع آليات لتنفيذها في المرحلة القادمة.
المحلل الاقتصادي، د. عادل عبدالعزيز، يرى أنّ الخطاب أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد القومي ووضع الموجّهات التي يجب أن تسير في طريقها الدولة بصورة واضحة، وتتضمن برامج تنفيذيّة، وأشار إلى مكافحة الفقر كمسار لتوجيه عمليات التنمية الاقتصادية، وأكّد على أن إشارات الخطاب بإنشاء وكالة للتخطيط داخل وزارة المالية يعمل على تلبية رؤية عدد كبير من الاقتصاديين، مبيناً أنّ وزارة الماليّة دون وجود جهة تعمل على التخطيط ستتحوّل إلى وزارة للخزانة، ويقتصر دورها على الإيرادات والمنصرفات، مؤكداً خلال حديثه لــ(اليوم التالي) أمس، أنّ إنشاء الوكالة سيساعد في إدارة موارد الدولة وفقا لرؤى استراتيجية اقتصادية واضحة، يؤمل أن تتفق عليها القوى السياسية المختلفة.
ووفقاً لرؤية عبد العزيز فإنّ الخطاب أمّن على تأسيس جهاز مركزي للإيرادات المهمة؛ المتمثلة في الضرائب والجمارك والزكاة، حال أن تم الاتفاق على بعض المسائل الفنيّة، علاوة على إيرادات الأجهزة الحكومية الأخرى، مبيناً أن تكوين جهاز بهذه الكيفيّة سيعمل على معالجة ظاهرة التجنيب بصورة نهائيّة، وشدّد في الوقت ذاته على أهمية وجود الجهاز لتحصيل كل إيرادات الدولة، عبر الجهاز المصرفي ممّا يؤمن جذب كتلة نقدية هائلة للجهاز المصرفي، ويعمل على توفير سيولة دائمة للأجهزة الحكومية، للصرف منها وفق ميزانيات مجازة. عبدالعزيز أكد أنّ الموجهات الاقتصادية التي وردت في الخطاب مناسبة جدأً، وستؤدّي إلى تحوّلات اقتصاديّة إيجابية حال توفر الدعم السياسي، المطلوب من كل القوى السياسية
نازك شمام: صحيفة اليوم التالي
[/JUSTIFY]